بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 يناير 2015

العدد الثاني لسنة 2015 ... بأقلام أعضاء البيت .... ملامح الرسالية الادبية ، ( علاء الاديب و كريم عبد الله ) نموذجا .... د.أنور غني الموسوي





العدد الثاني لسنة 2015

بأقلام أعضاء البيت

   ملامح الرسالية الادبية ، ( علاء الاديب و كريم عبد الله ) نموذجا

        

د.أنور غني الموسوي

 





 
 
 
تمهيد
 
 
كان و لا يزال و سيبقى الاديب العراقي بحرا يفيض بالرسالية والمعاني الانسانية، حتى انه يمكننا القول ان تلك الرسالية امر ملازم لشخصية الاديب العراقي ، وكأن طينته معجونة بتلك الرسالية .
 
و هذا طبيعي للعراقي، فالعراق قد اعطى الانسانية الكثير و الكثير وخط على لوحة الزمن ابرع الصور و اكثرها رقيا، و له بصماته المؤثرة ليس على الوجود العربي و الاسلامي و حسب ، بل على الانسانية و اهل الارض جمعاء.
 
من المحزن ان يتعرض هكذا بلد نبيل و معطاء الى فصل ظالم و مظلم طويل يمتد قرابة نصف قرن من التدمير المستمر الممنهج و الوحشي، و كأن العالم ليس له شغل الا تحطيم هذا الصرح الشامخ .
 
ان العالم المعاصر يتحمل المسؤولية كاملة عما طال و يطال العراق و العراقيين من اذى، و لم يتحمل مسؤوليته الواجبة عليه تجاه العراق .
 
هذا الالم العميق الذي بلغ المدى في الجرح العراقي لم يترك مساحة للابتسامة على شفاه العراقيين و لم يترك لهم باحة من البهجة، ليس هنا سوى فصل رهيب من الموت و الدمار، العراق اليوم يغرق في الموت و الدمار و الانسانية لا تجيد الا زيادة المه و اللعب على جراحه لأجل مصالح وقتية .

الرسالية الادبية
 
 
ما عادت في ظل هذا التغير الكبير الحاصل في وعي الانسانية و الاتجاه نحو التشبث بالانتماء و الاعتداد بالهوية في قبال رياح العولمة الثقافية، ما عادت فكرة الفن الرومانسي و البوح الذاتي امرا يجلب الحماس، بل ما نراه من اتجاه نحو تمثل الواقع و الامة هو الذي يسلب مراكز الاولوية في الثقافة و الادب المعاصر .
 
هكذا تغيير في فهم الفن و الجمال لا يعني انه ينطلق من فهم تعبوي للعمل الابداعي، بل يمثل وعيا عميقا بحقيقة الابداع عموما و الكتابة خصوصا، فأخذت الرسالية و القضية و الموقف تحتل مكانة متميزة في الكتابات المعاصرة .
 
من هنا امكننا القول و كما اشرنا كثيرا الى دخول التجلي الرسالي في نظام الابداع، و اعتبارها ركنا من اركانه .
 
الرسالية الابداعية اما ان تكون جمالية تتمثل بالابتكار و التطوير او جماهيرية تتمثل بتمثل الامة و الانسانية، و مقدار التمثل و الوعي به و تجليه يحقق درجة متقدمة في جانب من جوانب الابداع .
 تمثل تطلعات الامة و المها هو الرسالية الوطنية .

الرسالية الوطنية

 
رغم ان النقد الثقافي لا يقدم حلا حقيقا لفهم الابداع، الا انه يشير و بصدق الى تأثر الكتابة بالوعي الانتمائي و الفكر المجتمعي العام، و لا يعني ذلك جواز فهم النص على انه انعكاس لثقافة المجتمع او موطنا لانساق ثقافية، و انما يعني ان تمثل ما ينتمي اليه الكاتب من ثقافة و امة يضرب عميقا في وعيه و كتابته، و ربما يكون احيانا الجوهر المشع الذي تشكل بفعله النص او ادب الكاتب كله .
 
ان الحساسية العالية و الرؤية الواضحة و التطلع نحو الافضل المترسخ في نفسية الاديب تدفعه و بقوة الى ان يكون صوتا صادقا في التعبير عن الامة، في ظل الحرية الفكرية طبعا، و يصبح حقيقة لا لبس فيها لأجل تبين ملامح المجتمع الذي يعيش فيه .
 
ان الشعر كان و لا يزال صوت اعتراض و طلبا للخلاص، انه تمجيد للحرية السامية و الوجود الافضل، ما عاد الفن عموما و الادب خصوصا مكان ترفيه و تعبير وجداني بسيط، انما هو في كل جهاته رؤية و موقف وندا ، انه نداء صادق و خال ، و حينما يمتزج هذا الصوت بحلم الامة و يتمثل تطلعاتها فانه يكون رسالة شفيفة الى العالم و الاجيال .

الملامح الفنية للرسالية الوطنية في الادب
من المهم التاكيد ان الرسالية تتطلب بوحا، بمعنى اخر تتطلب توصيلا، و لا يعني ذلك ان يكون التعبير بتراكيب لغوية مباشرة بحجة البوح و التوصيل، و انما يمكن ذلك بالتعبير الفني العالي، وهذا سر اللغة القوية التي تبوح بالكثير مع الفنية الادبية العالية، البوح التوصيلي كما يمكن بالتعبيرية العالية، يمكن ايضا بالرمز و الايحاء بل ان من تجليات اللغة البوح الايحائي، كما ان الخيال ميدان خصب للبوح الرسالي .
 
ان الرسالية الوطنية الادبية يمكن ان تتنوع بتنوع الاجناس الادبية و اصناف اللغات الفنية، و بتنوع الموروث الاجتماعي و الابعاد الحضارية و الثقافية للمجتمع، لذلك يمكننا القول اننا في مجال ( الرسالية الوطنية الادبية ) لدينا عدد هائل بل غير محدود من الاشكال اللغوية، يمكن تصورها اجمالا بشكل انظمة مركبة تصنف حسب جنس الكتابة من شعر و قصة و نحوهما او حسب صنف اللغة من مباشرة و رمزية و غير ذلك او حسب المكونات الاجتماعية الفكرية و الثقافية و المادية .

الرسالية الوطنية الادبية باللغة التعبيرية
 
 
نجد من بين الدر العراقي المنثور في ذلك الفضاء الفسيح فارسا تعبيريا يسطر ملحمة التغني بصفات هذا البلد الرفيع فيقول صاحب الكلمات العميقة و اللغة التعبيرية علاء الاديب (عراقي انا اسمر \ومنذ ولادة التأريخ لم أقهر \ولم أكسر \دمائي بحر اطياب\ وانفاسي شذا عنبر \وقلبي فيه متسع \لكلّ الناس بل أكثر )
 
العراق هو، انه الاسمر، هنا تتوهج التعبيرية في تقديم الانتماء و تاخير المتكلم ( عراقي انا ) ثم يردفه بصفة متجذرة في هذا الشعب انه اسمر، انه اسمر حد النخاع الذي وجد التاريخ وهو اب التاريخ و امه، ابدا لم و لن يقهر، انه وريث جلجامش و حمورابي، انه الذي لا يكسر، انه مصنوع من الطيب دمه و طينته، انه ابن دجلة الفرات العظيمين، بل وجوده كله طيب، كجنائن بابل المعلقة، لن تجد فيه شيئا من الرائحة غير الطيب و العنبر، انه مدينة رحبة محبة يسع الجميع، هنا تتجلى صورة الكرم الرفيع و العطف الرفيع و الطيبة الرفيعة التي يتصف بها العراقيون، و في بيت له ايضا (قف للعراق تحيّة وسلاما ......كاد العراق بأن يكون إماما ) فيبلغ اقصى درجات التغني و التمجيد انه انتماء بلا حدود انه الذوبان الاسر حد التلاشي، انه زهو وفخر له ما يبرره و يدعو له .

الرسالية الوطنية الادبية باللغة التجريدية
 
 
 
نجد فارسا وطنيا اخر الا انه بلغة اخرى، انها اللغة التجريدية يبوح بلغته العالية، انه كريم عبد الله، سيد الكتابة التجريدية المعاصرة بلا منازع، يقول (كلّما تعزفُ السماء برذاذِ الخذلان ../ أدخلُ في زجاجةِ الصقيع ../ مقروحٌ يساورني حلماً يتلصصُ .....\الأرضُ العانس تتلمسُ أجساداً تتسلّقُ واجهة الموت ../ عيونٌ زجاجيةٌ مِنْ خلفِ الصقيعِ ترنو ../ وقناصٌ أرعنٌ يتدفأُ بسيلِ رشقاتٍ على وجهِ التاريخ ) انه يتمثل العراقي الذي مسه البرد، من نازح و مهجر و فاقد و محزون و متألم، انها ملحمة العراق الجريح المبكي، الم طويل، و من هناك تعزف السماء اغنية هي فرحة راس السنة لغير العراقيين الا انها الم مر و صقيع حارق لهم، انه الصقيع السجن الذي لا فرار منه، اين يذهب العراقي الذي خذله كل شيء حتى البرد، لقد فقد العراقيون كل شيء يتوسدون الارض، فصاروا لوحة عظيمة للموت الكئيب، هنا نحن بعيوننا الجميلة البريئة الطفولية نتطلع للخلاص وهناك في الجانب الاخر لا شيء سوى الذئاب و الاعداء و المفترسون، يقتنصون الخبز و الخيرات لا شيء هناك في الجانب الاخر سوى المتفرج الوقح، انه العالم القبيح .
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق