العدد
التاسع لسنة 2015
الشرق
بعيون الغرب
الفنون
الشعبيّة
إن الفنون الشعبية هي من
أهم ما يميز ثقافة عن أخرى إذ أن لكل حضارة طابع تسم بها فنونها لتتمايز به عن غيرها
من الثقافات و الحضارات الأخرى، لذلك فقد اعتنى المستشرقون بإبراز الفنون السائدة في
الشرق لتبيان تمايزها عن تلك التي في الغرب سواء في أدوات الموسيقى أو الرقص أو في
فن العمارة أو الديكور أو حتى الأزياء.
فآلات الشرق الموسيقية
هي الناي و الدف و الطبل و البزق و الربابة و هي تعطي إيقاعات و نغمات مختلفة عن ما
يعرفه الغربيون، لذلك بدت بشكل واضح في لوحات المستشرقين كإحدى رموز الغرائبية الشرقية،
كما في كل من (الدراويش الدوارين) و (باشبازوق) لـ جيروم، و (العرس اليهودي) لـ رينوار،
و (مقدم عروس إلى قرية بسكرة بالجزائر) لـ بافي.
كما أن اللوحات تكثر من
إظهار الشرقيين و هم لاهين في عزفهم و رقصهم و ذلك لأن الوقت لا قيمة له في الشرق و
العمل الجاد بعيدا عن التسلية و العبث لا مكان له، كما في لوحة (غناء الباشبازوق) لـ
جيروم، و (راقصون ألبان) لـ ديكان، و (فتاتان ترقصان و تغنيان) لـ دينيه،
فالمستشرق حينما يرسم الشرقي
مغنيا راقصا، فإن اللوحة حينها تتحول [بين يديه إلى مشهد استعراضي يتضمن كل ما هو شرقي
تقليدي. فشخصياته الشرقية ليست (فاعلة) في سياق الحدث أو المشهد بقدر ما هي (استعراضية)
تقوم بإبراز (الأنا) الشرقية كما لو أنها على خشبة المسرح الغريب في جماله و تمايز
مسلماته الأخلاقية و نشاطه الحياتي]. (1)
كما اهتم المستشرقون أيضا
بالرقص الشرقي، و عنوا به عناية كبيرة [فلوحات القرن التاسع عشر الاستشراقية جعلت هذا
الرقص رمزا إلى الشرق المتهتك و أبرزت اختلافه الدرامي عن الرقص الغربي إذ أنه
"لم يكن مثله مجرد تصوير نوع من النشاط الاجتماعي" بل كان يهدف بالدرجة الأولى
إلى إرضاء المشاهد الذي لا يشارك في الرقص، بل يجلس ليملي النظر بالمرأة الراقصة](2)
كما في لوحة (العرس اليهودي) لـ رينوار:
حيث تبدو المرأة هي الوحيدة
التي ترقص و معظم من حولها يشاهدونها و يتأملون حركاتها.
أما فن العمارة في الشرق
فقوامه الأقواس و القبب و المآذن العالية و القناطر و الحارات الضيقة كما في اللوحة
الصغيرة (مئذنة في الجزائر) لـ دونوي و (الشتاء في فارس) لـ لوران، و خلفية لوحة (تاجر
الجلود) لـ جيروم.
كما تبدو البيوت مبنية
من الخشب و اللِبن كما بدا صحن الدار في (العرس اليهودي) لـ رينوار، و كما تبدو المنازل
في (مقدمة عروس في قرية بسكرة بالجزائر) لـ بافي.
أما الديكور فقد تفنن المستشرقون
في إبراز المنمنمات و الزخارف الإسلامية التي تعتمد الخطوط و الأشكال الهندسية و النباتية
و الكتابات بالخط العربي التي تضفي غموضا ساحرا على اللوحة كالطلاسم لعدم فهم المكتوب
على جمال انحناءات الأحرف كواجهة المنزل في (التواطؤ) لـ جيروم، و الكتابات على جدار
المسجد في (الدراويش الدوارين) لـ جيروم، و على جدارغرفة النسوة في (نساء جزائريات)
لـ ديلاكروا، و جدار الحمام في لوحة (الحمام) لـ جيروم
أما عن الملابس فحدث و
لا حرج، فملابس الشرقي تتسم بالبهرجة و التلون و كثرة الحلي و لا سيما ملابس المرأة،
و ليس هناك من طراز معين بل هي متنوعة في أشكالها. لقد شكلت العباءات و العمائم و الجواهر
و الأحذية الغريبة و القلادات و الأساور و الألوان و الأقمشة المطرزة بالقصب الفضي
و الذهبي و الشفاف من الثياب و أوشحة الرأس عيدا حافلا بالألوان [و كأنها ما تزال تحتفظ
بضوء الشمس بين طياتها يحجب أمامه الألوان الكامدة لأزياء الأوربيين القاتمة].(3) حتى
أن بعض هذه الخطوط الشرقية و الاكسسوارات صار يدخلها الغربيون في ملابسهم كنوع من الموضة
الغرائبية.
كأزياء (نساء جزائريات)
لـ ديلاكروا و (مقدم عروس إلى قرية بسكرة بالجزائر) لـ بافي و (امرأة من البربر) لـ
لوكومت، و (عبد الغرام و نور عيني) و (فتاتان ترقصان و تغنيان) لـ دينيه، و (العالمة)
و (عالمة و غليون) لـ جيروم، و (سالومي ) لـ رينوار، و (امرأة شرقية و ابنتها) لـ دياز،
و (يهوديتان يافعتان قسطنتينيتان تهزان طفلا) لـ شاسريو
كما بدت البهرجة كذلك ملابس
الرجال في لوحات الباشبازوقات و كذلك لوحة (التواطؤ) لـ جيروم، و ايضا العمائم المستعرضة
أمام المشاهد في (الدراويش الدوارين) لـ جيروم
إن إغناء الصور بهذه المشاهد
الفنية الممتعة للعين و المدهشة و المزركشة و المتوهجة و المختلفة عن ما يعرفه المشاهد
الأوربي، من شأنها جعل الشرق يبدو كعرض مسرحي، أو مهرجان فني، أو سيرك مبهرج لا تنقضي
عروضه و تساليه أبدا!
---
(1): الاستشراق في الفن
الرومانسي الفرنسي؛ لـ بيطار: ص215
(2): أساطير أوروبا عن
الشرق؛ لـ قباني: ص110
(منتقى)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق