العدد الثامن
لغة الحب
للشاعر الأستاذ خلف دلف الحديثي
لغةُ الحُبِّ
في أيّما وجعٍ بالروحِِ أبتردُ
وأيِّ قولٍ لما أبْغيهِ قد أجدُ
وأيِّ وصْفٍ لأنثى في دمي انغمستْ
إذْ كلما جئت منها جاءني المددُ
منها ارتويتُ ومنها لم أزلْ عطِشاً
بها خططتُ الذي ما رامَهُ الخلَدُ
فيها انغمستُ فصغتُ البوحَِ أشرعةً
وطرتُ فوق غمامِ المجدِ أرتفدُ
أغوصُ حبّاَ فتُغويني ملاحتُها
مثلَ الدراويشِ في أذكارِهم وجِدوا
فأيُّ سحرٍٍ تمرأى في محاجرِها
بها استقامَ وفيها قامَ من رشِدوا
مدينةٌ قلقي أطرافُها اتَّسعتْ
حتّى خُرِستُ وإنّي الطائرُ الغرِدُ
أجيئها وفمي الملهوف يكتِبُني
حرفاً بسطرِِ الضحى بالسحرِ يحْتشدُ
على معارجِها طفْنا بمنهلِها
فصغْتُ نعتاً سمَا ما صاغَهُ أحدُ
وضيئةُ الروحِ كم لذّتْ لشاربِها
وكم يشوقُ شذاها مَنْ لها رَصَدوا
غنيّةُ الفكرِ باهتْ في مطارفِها
وعرشُها النورُ في علياهُ تقتَعدُ
لها من اللهِ تبجيلٌ فما حظيَتْ
كلّ اللغاتِ بما تحظى وما تجدُ
نفيسةُ الدّرِّ فوق الشمسِ قبّتها
تعطي الجمالَ لمنْ يسعى ويجتَهدُ
تمشي دلالاً وثوبُ الحسنِ بردتُها
وهي المعينُ لما يهفو له الكبِدُ
وقد كساها البَها مذْ أُنزلتْ سوراً
من السماءِ بها الآفاقُ تتَّقدُ
فلو مخرْتَ بحارَ الضاد ما اقتنصتْ
كفاك إلا النفيسُ من العُقيان ينعقدُ
تهدي البصائرَ لو ضلّتْ مسالكَها
وقد تقودُ الذي أوْدى به الرَّمدُ
أبوابُها لم تزلْ للخيرِ مشرعةًً
وما تَعاورَها عَيٌّ ولا جَهدُ
يكفي نقاءً بروحِ الوحْي قد هبطَتْ
يتيهُ فيها احتفاءً وحْدَهُ الأبدُ
إذا ترنّمت مثلَ الصادحين هوى
قوْمي بمحرابِها من وجدِهِمْ سَجدوا
وإنْ تلوْتَ لآي اللهِ قد خشعَتْ
كلّ الخلائقِ والأنفاسُ تطَّرِِدُ
مذْ قالَ للكوْنِ كنْ قامتْ دعائِمُها
وكلّما الجديدانِ دارا بالسّنا تلِدُ
كريمةُ الفرْعِ ما قطَّ شحَّ وابلُها
تُهديكَ فوقَ الذي تبغي وترتَفدُ
تكسوكَ ثوبا به من وشْيِِها حُللاَ
فغذَّ سيراً ليصفو المنهلُ الفرِدُ
ثراؤها لنْ يَلمَّ الدارسونَ له
حدّاً ويُعْجِزُهمْ عن عدِّهِ العَددُ
تحوي طلاسمها آيات معجزة
بالطيبات حلت والطهر والسددُ
لذت حلاوتها للعاكفين لها
ومن مواردها يستعذب الشهدُ
غنى الأوالي بها حتى لقد تركوا
سفرا سيخلد ما قامت هنا الصعدُ
وللأواخر في التمحيص خير خطى
لها استلذوا وأغراهم بها الرفدُ
سحر من الله يجري في شواهدها
يرن كالجَرَسِ العُلْوي ويرتئدُ*
منذ الخليقة يسمو خير البيان بها
إذ أنت تسمعه أو رحت تعْتمدُ
فاخشع إذا تليت آيات بهرجها
فيما يدندنه من شعرها الغيدُ
وامسك لروحك من وجد يهيم بها
حتى يتوه على إرنانها الميدُ
فالله أوحى بها التنزيل تكرمة
وللتخاطب أهل الخلد تنفردُ
من مثلها عجبا تزهو الحياة بها
والعرب تحدو حواديها وتتّحدُ
فيها شكائمنا الوثقى نوثقها
وهي الرباط إلى التوحيد والسندُ
هي الوثاق لمن شتت مآربهم
وهي المعين لمن في حبها زهدوا
تهدي السبيل لمن في حبلها اعتصموا
ومن قلاها علا أحلامه البددُ
عشقتها فوق كل العشق لا عجب
فإن نظمت أتى من درها الصفدُ*
قضيت عمري تناغيني صبابتها
وسحرها السحر يهديني له الرشدُ
بها تكفل رب العرش من زمن
ولن ينال الذي في قلبه وقدُ
ولن تقوم لذي العاهات قائمة
ما دام باطنهم يشوى به اللددُ*
قل للذين علت أضغانهم وطغت
على العروبة والفصحى وإن حردوا
قد بان معدنك الموبوء منزعه
به افتضحت وقد أزرى بك الكيدُ
فأمة اللغة الفصحى بأكملها
قامت وجاءت بما تهوى وما تعدُ
فرجعت آية التنزيل من فقهوا
ورددتها إلى أصقاعها النُّجُدُ
قل للذين بنا هاماتهم نكست
شتان بين الشذا والمقول الزبدُ
فالضاد حب وتوحيد بها نهضت
خير الشعوب وفاضت بالعطاء يدُ
إن الأصائل للعلياء يقدحها
جد ويدفعها للقمة المُجُدُ
توحدوا فالسبيل الحلو وحدتنا
فلا يشاغلنا عن نيلها الأودُ*
فالأرض ما ازدهرت إلا بما حفظت
من العلوم بما توحي وما تلدُ
فالخير قد فاض واهتزت به وربت
نفس العليم فطاب العلم والبُرُدُ
متى ستصحو من الكأداء أمتنا
ويستظل ربى عليائها السعدُ
لكي ترف على الحارات زاهية
رايات عز وتصحو السادة النُجُدُ
متى وشمل الألى في كل مفترق
تدوسه عاديات الغرب والنكدُ
فمن يرد عراق الخير عن زلل
به ادلهمت خطوب مالها عددُ
ومن يرد لبغداد الهوى عصرا
ومن يرد الذي ما ضيع البلدُ
فالضاد وحدتنا للخير جامعة
وهي الدماء إذا شئنا ومعتقدُ
هي الكتاب لأسرار الكنوز حوى
به أرومتنا تقوى وتعتضدُ
شدوا خفافا وردوا كل عادية
حتى تنالوا العلا بالعز واجتهدوا
***
6/12/2013
بغداد


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق