العدد الأول لسنة 2015
المقال
الأديبة عفاف السمعلي بين الشعر والرواية
بقلم : الباحث والشاعر د. فالح الحجيّة
الأدب هو الشعور والإلهام في المرء والكلمة المعبرة التي تنمو ضمن
مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل عمقها في خيال الأديب ثم تبرز من خلاله لتنبثق كحلم
جميل تسعد إليه النفس وتسمو إليه الروح حتى في حالة شقائها فيهنئ لها الفؤاد وتقر
بها الأعين و الهواجس . . فالأدب إذن هو معرفة إنسانية تحمل
معطيات الرؤية المحفزة للإحساس النابع من القلب وهذا الإحساس هو المصدر الوحيد –
كما أراه - لمعرفة الأشياء في العالم وقد يكون تعبيراً عن العلاقات التي تخلفها اللغة
لو تركت لذاتها بين الحد العيني والتجرد المادي والمثالي وبين المجالات المختلفة
للحواس. أو انه الإيحاء الأسمى بصور مثالية تتصاعد إلى الأعلى محلقة بأجنحة شعرية
منبثقة من روحية الأديب وعواطفه المنبعثة من أعماقه وممتزجة بخوالجه المتدفقة منها
المشحونة بها . فالأدب عندي جزء من إ صل الجمال وعندما ينتج الشاعر الجمال في
شعره أو الروائي في روايته يكون قد اكتسب حالة فنية وإنسانية من خلال النظرة
الحساسة في سبر أغوار النفس الإنسانية الشاعرة المرهفة من خلال الكلمة الجميلة
لتنمو في مفاصل الحياة ومن خلالها و لتسجل أعمق بواطنها وأعلى شواّفيها وتجمعها في
بوتقة حلم جميل تسعد إليه الأنفس وتسمو إليها الأرواح والأفئدة عما يجيش في
خزائنها الثقافية ممتزجة بأقوى عناصر الجمال الشعري والشعوري و يتمثل في الموسيقى
الكلامية المنبعثة من إمكانية الشاعر في الإيتاء بها من خلال تمازج او تزاوج
الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نغما أو نسقا موسيقيا معينا تبعا لإمكانية أديبتنا
الفذة ومقدرتها على الخلق والإبداع لأنها لزمت طريق السمو بالروح نحو مسارات عالية
ذات نغمات تنبثق عن مشاعر ها وعواطفها وإمكاناتها التعبيرية والتي هي السبيل
للإيحاء وللتعبير عما يعجز التعبير عنه الآخرون . فالمادة الأدبية شعر كانت أو قصة أو
رواية أو غيرها ليست بسطوحها وإنما بما تمخضت عنه وما تراءت إليه هذه السطوح او
المالة المتسقة والمعبرة عما يخالج نفس الأديب وقدرته في التأثير في نفوس الآخرين
فروح الأديب ينبعث منها نتاجه الأدبي بما يوضحه هذا النتاج بأسمى صورة أدبية كأنما
تتجوهر فيها الطقوس والتقاليد فيحدق فيها لتبحث عما توضحه في صورة أجمل . لذا تكون أهمية الأديب
بما يحمله في نفسه من تعبير عن طويته الساكنة وموهبته الأصيلة و مقدرته المكتسبة
من خلال تفحص ذاته الخفية وعبقريته الملهمة تلك التي يتجلى فيها حبه للآخرين بكل
ما فيه من نور أو نار أو قبس من نور وتلمس جراحاته . ولعل الأديب أيما كان في بحثه عن الأفضل
يحاول أن يخلق إيقاعا متميزا ً يتوازن مع ما يعتمل في دواخل نفسه ويتحرك بمقدرته
مع إيقاع بديع لهذا العالم المضطرب فلا ينساق خلفه لاهثا بل يواجهه بموهبته ويعيد
بناءه بإلهامه بحيث تكون الترنيمة الإيقاعية الجديدة التي تتكون منها المادة الأدبية
معبرة عن ملامح العالم المحيط به في الظاهر وسبر أغواره من الداخل فيعاد ترتيبه من
جديد وفقا لما يشعر به وفي صورة أجمل واسمي وأحسن . فكل نتاج أدبي – ربما - ينطوي على طاقة
رمزية أو مجموعة من الأفكار الرمزية التي تتخفى خلف الكلمات خاصة في الأدب الحديث
او المعاصر تبعا لظروف التقدم والحاجة إليه لان كل نتاج أدبي يتضمن خطابا رمزيا
وبتعبير آخر جهد تعبيري تحتش فيه الدلالات الرمزية و التي ربما قد تتفاوت حيوية أو
فردية و قد يكون في رواية درامية عالية أو قصة ربما تأتي باردة كالثلج أو قصيدة
عمودية أو نثرية . فقصيدة النثر تمثل الحرية المطلقة للشاعر في انتقاء الكلمات أو
العبارات المتجانسة لقصيدته وهنا تصطدم حالة الانتظام المتوهج من قصيدة العمود أو
قصيدة الشعر الحر أو بالإيقاع فيها غير الموجود في قصيدة النثر . والصورة الفنية
هي اللمحة والحالة التي يسجلها الأديب وما يتمثل به من إحساس وإدراك للوصول إلى ما
تسمو إليه نفسيته أو يروم تسجيله بحالة انصع وأفضل والصورة الشعرية قمة خيال
الشاعر فهي بحر يسبح فيه ويبحر في مداه وسماء يعرج فيها إلى مبتغاه وارض يتنزه
عليها فالصورة الفنية نجدها واضحة جلية في جل الفنون الأدبية التي يطرقها الكاتب
مهما كانت فنونا شعرية او نثرية وأغراضا مختلفة تعبر عما يخالج القلوب بحيث ترقى
الى صوامع النفوس ومداخل الأفكار
.
ومن
خلال تتبعي للثقافة والأدب بشطريه الشعر ا والنثر الفني ولتقاربهما في الوقت
الحاضر من بعض وتزاوجهما أنتج الأدب قصيدة النثر فكانت مزيجا مزدوجا رائعا بين
الشعرية والنثرية ثم لاحظت ان شاعر قصيدة النثر يميل غاليا إلى كتابة الرواية
والقصة فيجيد ها اجادة تامة .
فالأدب
عند أديبتنا عفاف السمعلي جزء من إ صل الجمال وعندما ينتج الأديبة الجمال في أدبها
تكون قد اكتسبت حالة فنية وإنسانية من خلال نظرتها الحساسة في سبر أغوار نفسيتها
الشاعرة المرهفة و من خلال الكلمة الجميلة المعبرة في روايتها لتنمو في مفاصل
الحياة ومن خلالها و لتسجل أعمق بواطنها وأعلى شواّفيها وأجمل ذكرياتها وتجمعها في
بوتقة حلم جميل تقدمها لتسعد إليها الأنفس وتسمو إليها الأرواح والأفئدة عما يجيش
في نزعاتها ممتزجة بأقوى عناصر الجمال الثقافي والشعوري الذي يتمثل في الموسيقى
الكلامية المنبعثة من إمكانية الأديب في الإيتاء بها من خلال تمازج أو تزاوج
الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نمطا أو نسقا موسيقيا معينا تبعا لإمكانيتها
الفذة ومقدرتها على الخلق والإبداع – واراها قادرة متمكنة بأسلوبها الشيق وكلامها
المعسول وتعبيرها الفني الناضج في طريق السمو بالروح نحو مسارات عالية ذات نغمات تنبثق
مشاعرها وعواطفها وإمكانيتها التعبيرية والتي هي السبيل للإيحاء وللتعبير عما يعجز
التعبير عنه الآخرون . وما لاحظته في روايتها الجديدة ( حنين ) مقدرتها لتبحر
من خلال هذه الرواية عبر مسارات النفس الشاعرة لتغدق علينا نبعا وفيضا وحدسا راقيا
من خلال سردها القصصي الجميل ومواءمة الحرف والجملة في تعبير رائع ليشكل معينا آخر
ورافدا جد يدا من خلال فكرها الراقي لا ينضب معينه وإلهاما جميلا كان قد اكتسب –
فيما اراه - حالة فنية وإنسانية و بما يحقق توازنا واسعا بين سعة الحياة وما فيها من
مفردات وتجارب وقدرات صاغتها بجمالية مفرطة ولفظة راقية مزدهرة .
ومن
خلال دراستي لروايتها ( حنين ) لاحظت إنها كتبت بأنامل شاعرة اثر
فيها الشعر قبل النثر فروايتها فيض من مشاعر وإرهاصات ملهمة تنعكس على نفسية شاعر
ة لا يسعها القلب فتطفح رؤى وعواطف تتمثل في بعض مفردات روايتها .
تقول
في مقدمتها : ( هي تأتي قمرا فتباغته في الأحلام
ليصحوَ على الحسرة . الرّواية ملعونة يا قمر يشترك في مضاجعتها الشعر وحكايا
الشيطان ، ومقامات السحرة وألاعيب الكهان. ورسائل الغواية الرواية يا قمر مدينة
الشّمس من دخلها كان آمنا له كل البيوت يدخلها بلا استئذان اينك يا شمس؟ ) وتقول في متنها:
(ما أجمل
الشعر وما اشدّ قسوته حين احتاجه يهرب مني ، ينفلت من بين أصابع زمني وزمني أنا.. هو أن اكتب..... أن اكتب أن
ألفّ جسدي بزهريات من قصائد وروايات انثرها كالياسمين. أسدلت جسدها المتعب على المقعد ،وكما
عهدت نفسها كل مساء أخذت أجندتها ورسمت بعض الخربشات هنا وهناك في انتظار أن
تمطرها السماء سمكا من المفردات لحياكة قصيدة. سبحت بنظراتها مع حبات الياسمين تطل
عليها باحتشام شديد بعبقها الشهيّ وسحرها النديّ، يتناغم مع تدفق الدم في
شرايينها. كان القلمُ مجروحا الذاكرة تدفعها لتحولها إلى فصول وأيام . تناولت
فنجان القهوة ،ترشفت- مرّة- نسيت كالعادة السكر.لكن طعمها المرّ دفعها للكتابة
أكثر. شجرة الياسمين المطلة على شرفة غرفتها ترحل بها إلى حيث الحلم يتوسد أقباء
الصمت ).
او
قولها : (أنسى طعم الجرح بلمسة أناملك تداعب
شعري, بنظراتك الحنونة التي تطلّ عليّ من شرفة عينيك .تتجمّع ذكرياتي مرايا فأبحث عن القصائد
التي تقول عنك وفيك كل نوافل الهوى.
أبحث عن الفصول التي أعشق أن أموت فيها. أبحث عن مملكتي . مملكة المثل فيك. فأكون كما كنت
عندما انحنت ملائكة الحب في حضرة الإله المحبوب .بالأمس حين كانت المعاني حبلى بمعانيها
كنت تدفع بأحزاني لترتع بعيدة عني .بالأمس كانت لي هواية استثنائية. .أعدو كالطفلة تحت المطر وتتعالى
ضحكاتي وأصرخ بكل ما تحمله حنجرتي من أصوات وأغان. بحبك يا قمر.. أغرق في دموعي مع المطر وأضحك , أضحك
حين تقاسمني جنوني تدعونني للرّقص تحت زخّات المطر .تراقصني الفالس..السلو..الروكندرول ... )
إذن
فهي - كما قلت - فيض نفس ازدحمت ا إرهاصاتها حتى ضاقت
عليها ثم فاضت فكانت رواية ( حنين ) هذه المرة بدلا من قصيدة شعر .أو قولها:
(يستجمع قمر
قواه. .يدوس على الأوجاع. يحتضن شمسا فتشفى كل الجراح وتلتئم. اويأتي الصّباح يصهل من بعيد فيطوي
الأرض طيّا محملا في ثناياه مطرا عارما فتقبّل الأرض السّماء .. ويزهر الكون من جديد... .هذه سنّة
الحياة.)
هو
شعر بحد ذاته او نثر فني رائع يحمل في طياته الق الشعر وسمو ه
ومن
خلال قراءتي لهذه التي أسمتها الشاعرة عفاف محمد السمعلي رواية ( حنين )لاحظت وكأنها
روحها تتوثب من بين سطورها فهي اقرب للشعر منها للنثر أو هي قصيدة النثر بحد ذاتها
لولا بعض الأمور التي اكتنفتها فهي لم استطع التخلص من شاعريتها :
(شوق يخضّ
دمي إليه كأن كلّ دمي اشتهاء جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء يا عراق يا
عراق عند مفترق التّيه والسّماء تبكيه مطرا بريق الفجر في عيني قمر أجنحة ترفرف
تعضّ على الوجع نطقت شفاهه أبيات هويته
: ( عراقيُّ أنا أسمرْ ) ومنذ ولادة التأريخِ .. لم
أُقهَرْ..ولم أُكسرْ دمائي بحرُ أطيابٍ..
وأنفاسي شذا عنبرْ.. وقلبي فيه متّسع .. لكلّ النّاسِ ..بل أكثرْ بلاد العرب
أفديها.. فأهلي ..كلّ من فيها.. وأصحابي ..وأقراني أردّدُ دائما زهوا.. بلادُ العربِ أوطاني أنا من ينتشي
شوقا .. بحبّ العربِ.. بل يسكرْ أنا المخلوط من تمرٍ.. وزيتونٍ ومن زعترْ)
ما
احلاها من رواية مزجت الشعر بالنثر والحب بالإخاء فقد كانت أثرا لما يعتمل في هذه
الروح من فيض ملهم وحب خالص ومجموعة من عواطف وأحاسيس تنبعث عن نفسها وفؤادها فيضا
زاخرا ومعبرا عن رؤى نفس إنسانية يغمرها الحب والشوق: حب الوطن .. و حب الطبيعة..
وحب الإنسان .. وحب الحبيب ... تقول : ( ـ أَوَ تحلمين
وحدك يا حبيبتي ؟؟؟ هذا أنا قمر الزمان...
هذا قمر يا شمس ... أقسم أن يتمّ الحلم فلا وقت للنّعاس
الآن.... ها أنت تعانق سوسنة الرّوح يا قمر،إلى اللّاحدود ...إلى اللّاهوية... إلى حلم الوطن
الحر... حلم الشعوب الثائرة........
تدق نواقيس الصّمت.... نواقيس الحبّ.... نواقيس الحزن.... نواقيس الألم .... نواقيس الحياة ومتناقضاتها.... بحلوها ومرّها
نحياها ... ننسج من أحلامنا...صغارا كنا... أم كبارا، نحلم بالشّمس والقمر.... نكبر، ويكبر
الحلم، ولا نشيخ، نربيّ أطياف طفولتنا، في أعماقنا تعيش... فيعرّش العناب فينا.... فمن لم يشتك
من قروح الوجع، والاغتراب،في هذا الزّمن الغبش...؟؟؟ لكن الشّمس تظلّ حلمنا والقمر
ملهم الشّعراء.)
فهذه
الأمور وما بها من تأمّل ورؤية غامرة تصدر عن نفس الهمت الحب والوفاء فكانت نفسها
بوتقة لأزاهير تصوغها صياغة العسجد وتحولها الى قلائد تزين النفوس وتسر الأفئدة
كشذى ا ريج فاح عطره وشذاه و تعبّــق الندى سناه و لتنثال أكماما من الورود تفتحت وأزهرت
فكانت كل فصل من فصولها العشرة بمثابة قصيدة رائعة جميلة .
أتمنى
لابنتي الروائية بل الشاعرة عفاف محمد السمعلي التألق والنجاح والسؤدد ولكل
كتاباتها الشعرية والنثرية التضوع والسمو في سماء الأدب العربي. والله الموفق
.
الشاعر
والباحث أمير البيـــــــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق –
ديالى - بلدروز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق