العدد الأول لسنة 2015
بأقلام أعضاء البيت
المقالة
الابحاث الابداعية
في رواية ( حنين) للاديبة عفاف السمعلي
د. انور غني الموسوي
العراق
تمهيد
أولا : الشاعرة الروائية
كلّنا صار يعلم ان الرواية , وهي الفن الجميل الانيق فعلا , ازاح الشعر عن الصدارة كديوان للعرب ، طبعا مع احتفاظ الشعر بسحره السرمدي و فوقيته الخالدة . و كلنا يعلم ان الكاتب حينما يعمد للكتابة فانه يريد ان يقول شيئا ، و السؤال ما الفرق بين الشعر و السرد من هذه الجهة ؟ اي من جهة ان الكتابة وسيلة لقول شيء ، ربما يكون الجواب الواضح ان في الشعر يذوب الكاتب في الكتابة لتسلط الكتابة الشعرية على زمن الكاتبة ، اما في السرد فان الكتابة تذوب في الكاتب لتسلطه على زمنها . بمعنى اخر ان ما يحصل في الشعر هو توظيف الكتابة للكاتب ، بينما ما يحصل في السرد هو توظيف الكاتب للكتابة .لذلك لا يكون من السهل على من يكتب شعرا ان يكتب سردا ، لان الفرق بينهما ليس فقط من حيث الفنية و انما من حيث الوجود و عملية التكون .لذلك يمكن القول ان الشعر اقرب الى الرسم منه الى السرد ، و ان السرد اقرب الى الدراما منه الى الشعر .
أول ما
يواجهنا من أمور ادهاشية رواية (حنين) هو إنّ الراوية ( مؤنث راو حسب قاموس
المعاني 2014) هي شاعرة ، اذن لا بد ان
نتبين معنى ذلك .و لقد عمدنا إلى لفظ الراوية لأنها تدل على القيام بالفعل و
الانتاج و هذا ما نحتاج الاشارة اليها هنا في بحث فعل الكتابة و الرواية ، اما
لفظة الروائية فتدل على الملكة و الاختصاص .ان الفرق الذي اشرنا اليه بين الشعر و
السرد من حيث عملية الانجاز و التكوين و الذي يجعل الاعمال الفنية الانسانية في
مجالين ، مجال ما يتسلط على الزمن و
المؤلف اثناء عملية الانتاج كالشعر و الرسم و مجال ما يتسلط عليه الزمن و المؤلف
كالسرد و الدراما ، هذا الفرق يولد منظومة من الفوارق التاليفية و التناولية فضلا
عن الفوارق التلقياتية ، يجعل من تحقيق
انجاز ابداعي روائي متميز مع ابداع شعري متميز تجلي شخصية كاتبة و تجربة كتابية
استثنائية ، و لقد اشار الاستاذ علاء
الاديب الى هذا الامر اجمالا في دراسته
للرواية ( علاء الاديب 2014)
ثانيا : العقد التخاطبي و عملية القراءة
من
الواضح ان بين المتكلم و المتلقي ، و بين المؤلف و القارئ عقدا تخطابيا ، يعتبر
فيه شروط لا يصح لاي من الطرفين الخروج عليها الا بتواضع نوعي ، وهذا كله يرجع
لحقيقة التخاطبية في هكذا أمور . و في الحقيقة لا بد لنا ان نشكر النقد الادبي على
انجازه الكبير في انه حرر المؤلف من صرامة متطلبات مباشرية التوصيل و
اعطاة حرية مقبولة في اختيار وسائلة
التعبيرية و شكلها المناسب اعترافا منه بفوقية عملية الابداع ، و طالب المتلقي
بالارتقاء الى مستوى النص ، و هذا تطور كبير في التخطابية البشرية ، و تغير دستوري
في العقد التخاطبي ، ثم جاء النقد بانجاز
اخر كبير جدا حيث انه ابرز اهمية عملية التلقي
في تكامل العمل الفني ، و في الحقيقة كلنا يعرف ان هذا ليس مجرد ادعاء ، فيمكن
للمتتبع ان يتلمس اثر القراءة في اشد النصوص ظهورا و اوضحها دلالة ، من هنا يمكن القول ان للقراءة تبئيرا ايضا ، و
ان فضاءات المعاني و الدلالة و المعارف و الجماليات كلها تتاثر بزاوية الرؤية و
طريقة و منهج القراءة و ربما اوضح
دليل على ذلك اختلاف القراءات باختلاف
المعارف الثقافية عند المتلقين .
ما يهمنا
في الموضوع ان فضاء الابداع قد اتسع و صارت هناك
حرية اكبر في عملية التخاطب ، من حيث التوصيل و الفهم .و ما يهمنا ايضا كقراء اننا لم نعد مطالبين
بالبحث الحثيث عن مراد الكاتب و مقصوداته ، بل ان القراءة عملية فكرية
انجازيةامتاعية ، غايتها التعامل مع النص او العمل الفني كظاهرة على القارئ ان يتعامل معها بما لديه من قدرات و
كمناسبة لتطوير ذات القارئ و توسيع رؤاه و فهمه للحياة ، ان هكذا فهم يرفع عن
القارئ مطالبته بالفهم وادراك مراد الكاتب
و ما اراد ايصاله على الواقع ، فتجلت ظاهرة تعدد القراءات من القارئ الواحد ، طبعا هذا يجري وفق السلوك النوعي و الاقناع ، و
ليس مجرد اسقاطات فردية و تخيلات ، لان هذه الامور تؤدي الى الوهم المعرفي و
الذوقي ، بمعنى ان التبيئرالقراءاتي لا
يتخلى و لا يتعارض مع حقيقة ان القراءة
عمل نوعي بمعايير نوعية ، و مهما كانت القراءة
و رؤية القراءة فردية فان لا يجوز
ان تكون مجرد تخيلات و ادعاءات ، بل لا بد من عملية علمية عقلائية تخضع لمعايير نوعية تواضعية لاجل تحصيل
الاطمئنان بان ما استفيد من معارف فكرية و جمالية لها وجودها الواقعي .
ثالثا : الابداع الروائي
بينما يكون البوح في الشعر وليد اللغة الطاغية
المتمردة و الصورة الحاضرة ، فان البوح في السرد يكون وليد اللغة الطيعة و الصورة
المصوغة ، بمعنى تميز السرد بعملية توظيف و صياغة
للغة ، وهذه العملية يقابلها في
الشعر عالم التصوير العالي كما هو معلوم ،
لذلك عادة ما ينسب الوعي البشري الشعر الى عالم فوقي مغاير للروح البشرية
، و اما من حيث التناول فان الابداعية السردية تختلف في جوانب عدة عما
عمليه في الشعر . وربما يكون من غير المنطقي ادعاء وجود عمل روائي لا يحتوي الا
على السردية الموضوعية ، و لا يلتزم الا
بالنثر السردي ، ان هكذا كلام لا واقع له ،
فنجد ان مواطن للسرد الذاتي ، و النثر الشعري ، و الشعرية النثرية ، بل و تضمين الرواية شعرا صريحا كلها امور واضحة
في الاعمال الروائية ، طبعا وجود هذه الاشكال يحقق تموجا كتابيا لذلك لا بد للكاتب
ان يكون على قدرة عالية في ان يجعل لتجاور هذه الاشكال في الزمان و المكان
انسيابية اقناعية ، و هذا ما سنبحثه في التفصيل في مبحثي الاتقان و الجمالية
السردية ، لان رواية حنين مفعمة بالنثر الشعري و تتضمن سردا ذاتيا و شعرا صريحا .
في خضم
ازمة المصطلح النقدي و الرؤية ، يكون من
المهم في النقد ان يكون الحديث عن الموجود في العمل الفني و ليس عن شيء متخيل ، و
يكون الامر اروع لو كنت مطمئنا ان الذي تراه هو الحقيقة التي يراها او سيراها غيرك
، و ليس من وسيلة متاحة لبلوغ هكذا غاية
الا بالنقد الاستقرائي ، و حسب فهمناالاستقرائي لعملية الابداع و عناصره و تناسبه
مع مقدار ما يحققه العمل في جهات الفنية و الجمالية و الرسالية ، فان قراءتنا
لروية ( حنين ) و فهمنا لعناصر الابداع المتجلي سيكون في هذه الجهات الثلاث الثابتة ، حسب متطلبات و
عناصر الفنية السردية و الجمالية السردية و الرسالية في هذا العمل .
الجزء الاول : الابحاث الفنية .
الجزء الثانية : الابحاث الجمالية.
الجزء الثالث : الابحاث الرسالية .
عناصر
الفنية اما ان ترجع الى الشروط الفنية و الاتقان في نظام اصالة العمل ،او الى الابتكار و
الاقناع في نظام التجيد.
العنصر الاول : الشروط الروائية
الرواية
بحسب تعريفها الشائع ،( ويكيبيديا
2014) اضافة الى بداهة اعتبار السرد و التشخيص ، و الحجم ، يشترط فيها
تنوع الاحداث و تسلسلها و الوصف و
الحوار و الصراع . اذن لدينا ستة شروط
تبحث في رواية حنين ، طبعا بحث الشرط ليس فقط في توفره و انما في تكامله .، حيث ان
تكامله يعني تكامل الفنية ، و ادراك عميق بالانجاز و مجال العمل ، و ان تكامل عوامل الفنية لدى المؤلف هو
المنطلق الحقيقي نحو الابتكار و الشخصية الكتابية
المتفردة .
1- السرد
قصد
الحكاية في رواية حنين ظاهر ، و هو الجو العام لها و ينحو الى سردية موضوعية كما في فصل طيف الياسمين (وصلت
المدرسة. بوابل من القبلات استقبلها تلاميذها .شموعا من الأمل تتهاوى نظراتها
المفعمة حنانا على روح كل طفل في فصلها. يا الله ما أجمل الورود ،حين يتسابق
التلاميذ وينثرونها على مكتبك. ) و في الرواية
سرد ذاتي كما في التمهيد و فصل ورود
الاشتهاء (يا رياح الجنوب، يا كلّ أعاصير الجنون لست أدري هذا اللّيل الكئيب متى
ينتهي؟أعصر وجعي بين أصابع الصمت فيصرخ الصّمت في الجرح ،في الدّمع ،في القلوب ،في
الشّوارع المسافرة ،في الجبال الرّاسية، في الثّلج المكوّم على الشفاه المكدّرة في
الإسفلت المعشش في الأفكار الرخيصة التافهة
أصنع تمثالي من غضبي ،من انتفاضات البراكين فيّ. فتثور كل العواصف المدفونة
فيك يا قمر.) و ايضا ادراجات شعرية ، فرغم ان المجازية طاغية في لغة الرواية و السبب معروف
طبعا ، فان الراوية تصرح بشعر قصدي مجنس مدرج في الرواية في فصل بغداد و العراقي
الاسمر (عراقيُّ أنا أسمرْ )ومنذ
ولادة التأريخِ ..لم أُقهَرْ..ولم
أُكسرْ دمائي بحرُ أطيابٍ.. وأنفاسي شذا عنبرْ..) . لا بد من القول ان الشعرية مستشرية و طاغية في الرواية ، الا
انها لم تفقد السرد ملامحه الظاهرة ، فما لدنا نص نثر شعري في
كثير من اجزاءه ، ، فتكون هذه
الرواية نموذجا للنثر الشعري ، و الى ذلك كان قد اشار الاستاذ علاء الاديب ( علاء
الاديب 2014)
2- التشخيص
اضافة الى البطلة(شمس ) و البطل الاخر ( قمر ) فهناك
اشخاص اخرون و ايضا هناك الاماكن و الازمان ، كما ان التطور في الشخصيات كان
ملحوظا حتى في المكانيات و الزمانيات ، و
ارجع هذا الى شاعرية الراوية التي تستطيع تجاوز سلطة الزمان و المكان و تتعامل مع
جميع الاشياء كاشياء حية متطورة و لا اقل دليل ان اسمي بطليها شمس و قمر ، و مثال
على تطور المسمى المكاني ، مسمى ( بغداد )
فانا نجدها تتطور في الرواية ، فنجدها عنوانا : بغداد
والعراقيّ الأسمر ، و طبعا العنوان يعني الانتزاعية و الدلالات العريضة لكن هذا لا
يعطيها المجانية ان فهمنا انها حكاية استباقية .في فصل بغداد في وسطه
عبارة ( فجأة خرج من غرفته
شغّل سيارته وانطلق لا يعرف إلى أين... يخيط شوارع بغداد) الحيرة في بغداد و الموازاة ، بينما
في فصل بغداد في نهايته نجد ( رمّم
صوره وأشعل أفق بغداد قناديلا ) ننتقل الى التفاعل و التناغم و اللحمة
، و في فصل (و أمطرت السماء ورودا
) نجد(نسائم
الفجر تداعب طرقات بغداد ) بغداد هي التي تبتهج و تشترك وهذا تطور . واما في نهايته (و.. دمروا بغداد وبابل وأشور وسومر.. )
فانهاحكاية استرجاعية لا تتداخل مع التطور الحاصل للشخصية المكانية كما هو حال
العنوان الذي كان في علو تطوره حكاية
استباقية .
ان التطور الحضوري لشخصية بغداد
امر لا يمكن تجاوزه ، و من المؤكد من الجهة الروائية ان ذلك كان انعكاسا و تزامنا للتطور الحاصل
للشخصية البغدادية قمر ، فيمكن القول ان التوظيف الحاصل للمكان لبيان حالة البطل المرتبط بذلك المكان لم يكن على حساب المكان بل
كان في حالة تكامل معه وهو من توظيف التاريخ الروائي المصنوع في الرواية ، و في الحقيقة هذا شيء
مثير للاعجاب و ابداعي متقدم .
3- الحجم
عدد كلمات الرواية مع التمهيد ( 11،209 ) و من دونه
(10،534) ، فهي تكون من حجم الرواية
القصيرة ، لكن الحجم ليس فقط العامل الحاسم بل لا بد من توفر شروط اخرى في الرواية
لتكون رواية قصيرة ( novelette ) فهي شكل روائي و ليس مجرد حجم
من هذه الشروط حسب الويكيبيديا ( ويكيبيديا 2014) :
1-
هي الرواية التي يترواح عدد كلماتها ما بين
10.000 كلمة و20.000 كلمة، فهو حجم متوسط لا يمكن النظر إليه على أنه
حجم لقصة قصيرة ، ولا يمكن النظر إليه على أنه حجم لرواية طويلة ،
2-
استهلال ذو طبيعة خاصة :فتميل الروايات
القصيرة للاستهلالات المركزة المكثفة ؛
3-
يتميز بشيوع الحس الكوميدي ، أو
التراجيدي ، والتأريخ للبطل والمكان
4-
.لغة مكثفة تقترب بالسرد من الشعر. و ازدواجية
الدلالة ، فالكاتب لا يصرح بل يلمح ، ويترك الكثير لعقلية المتلقىالاستشفافية ،
ودائما لسرده أكثر من دلالة .
5-
بطل محوري واحد: تقوم الرواية القصيرة
على اكتاف بطل محوري واحد ، وبقية الشخصيات فيها ملحقة بالمركز .
6-
حدث مركزي واحد : تقوم الرواية
القصيرة على حدث مركزي واحد يستقطب كل مكونات العمل .
7-
وجهة نظر خاصة للواقع : تميل
الروايات القصيرة إلى تحويل مدركات الواقع البسيطة إلى فعل مرئي محسوس ، وتغلب
المألوف واليومي والنادر والثانوي على الأساسي والمباشر.
8-
وصف موجز :تعتمد الرواية القصيرة
على الوصف الموجز الفعال .
9-
ملمح السخرية: من العلامات المميزة
للرواية القصيرة ملمح السخرية ، ويكون أحيانا بأسلوب الاستفزاز ، وأحيانا بالرسم
الكاريكاتيري، وبالمواقف الكوميدية ، والتعليقات المضحكة .
10-
فضاء خاص يتسم بالمحدودية، يستمد
رحابته المكانية والزمانية من القفزات والوثبات الناتجة عن توارد الخواطر .
11-
إثارة الأسئلة : النص الروائي
القصير يثير كما من الأسئلة دون الاهتمام بطرح أية إجابات .
لو نظرنا الى هذه الشروط و التي هي
مقبولة كصفات للرواية القصيرة بمعيار الشيوع الثقافي الذي نعتمده ، فان رواية حنين
تتصف بكثير منها و على درجة عالية من التمثيل و التكامل ، و بالنسبة للسادسة ، فانا اذا فهمنا رجوع
الاحداث الى نظام اعلى جامع هو الحب و
الحنين يكون لدينا ما يقترب لمثل ذلك الحدث المركزي ، و فيما يخص النقطة التاسعة فانا اذا فهمنا ان
المراد منه هو النقد ، فهو متحقق هنا فان رواية حنين تتضمن نقدا واسعا و عريضا بل
يمكن فهم الرواية على انها موقف .و اما العاشر فانا لا يمكن ان نسلم به في ما يسمى
في رواية نعم لو كان قصة قصيرة مع فنية عالية معتدية على السرد ، فهذا ممكن اما في
ما يسمى رواية فانه يخالف جوهر مفهومه . و في رواية حنين التسلسلية ظاهرة ، و ليس من قفزات مخلة بالسردية حتى ان
بعض الدراسات التي كتبت عن رواية حنين عنون بالتواصل التسلسلي ( حسن البحار 2014)
. من هنا يمكن القول انا ما بين ايدينا هي رواية قصيرة .
4- تنوّع الأحداث
تنوع الاحداث ظاهر في النص ، والتنوع ليس حسب المتطلبات المعهودة من تغير في
الزمان و المكان و الشخوص فحسب، و انما
لدينا تنوع اخر وهو من حيث الطبيعة فلدينا
حدث خارجي و لدينا حدث خيالي و لدينا حدث
ذهني و لدينا حدث الكتروني .
ففي فصل ( طيف الياسمين
)
) فوق أرصفة الزمن العابر، تعزف
سيمفونيتها الصباحية ‘تشق الشارع الطويل ،لا تدري كيف ترتقها خطاها وتفتقها.اعتادها
الطريق النائم في حضن الزّحام وفوهة الضّياع التي تتعسر على وجوه الناس الكالحة.
وصلت المدرسة. بوابل من القبلات استقبلها تلاميذها .) هذا حدث خارجي محاك للخارج .
و فيه ايضا
( ما أجمل الشعر وما اشدّ قسوته
حين احتاجه يهرب مني ، ينفلت من بين أصابع زمني وزمني أنا..هو أن اكتب.....أن اكتب
أن ألفّ جسدي بزهريات من قصائد وروايات انثرها كالياسمين.) فهذا حدث ذهني ، يكون
الحوار فيه مع النفس .
بل يظهر و يتجلى صريحا في ( خاطبت
ذاتها ,قلمها ,حبرها ,أريد أن أكتب فالقلم لا يراوغ أحرفي لا يكتبني زيفا بل
يترجمني...)
و فيه ايضا ( في هذه اللحظات وهي تجادل الشرود لمحت طيفا
بهيا!! بين بتلات الياسمين.أغمضتعينيها وفتحتهما وأغمضتهما وفتحتهما...؟؟؟؟ لكنه
على خدود الورد قد رُسم ) وهذا حدث خيالي .
و فيه ايضا ( همس بصوته الدافئ
:شمس أنا هنا ..أين ذهبت ؟ واحتقنت وجنتاها. لقبّها بالشمس دون أن يعرف شكلها ولا
ملامحها. وارت حياء الأنثى وراء ضحكات متتاليات تتجاوز بها هذا الغزل الأنيق.هاي..
يا قمر ...لقبته بالقمر.. ) وهذا حدث الالكتروني
فان فيها علامات تشير الى ان المحادثة كانت عبر الانترنت .
5-الوصف
الوصف ظاهر في النص ، و يمكن استفادة اشكال مختلفة من
الوصف فهناك اضافة الى الوصف الواقعي و الخيالي و التوصيلي و المجازي فان لدينا
وصفا حكائيا و وصفا تعبيريا ، فالحكائي يرغب برسم ملامح شخصية او شيء او مكان و
موضعه من النص ، وهو وان كان موظفا ايضا
الا ان الحكائية هي الغالبة و التوظيف ثانوي ،
ففي فصل افوف الورد (فاجأها
بحبه ،وتهلّلت أسارير وجهها وأحسّت بتدفق الدم في شرايينها . شعرت برغبة شديدة في
النطق بلمى اسمه..و زرع اسمه بساتين ورد في ذاكرتها .شعرت أنّها تحتاج إليه بزهر
البرتقال فيه يطوق أحاسيسها. ) فانا امام وصف لمشاعر شمس ، وهذا الوصف و ان كانت
فيه دلالات على امر اخرى غير المشاعر و الارادة و الرغبة الا انها ثانوية .
وهناك في هذا
النص ايضا الوصف التعبير وهو وصف
متطور يشير الى ثراء اللغة ، بان يكون الغالب فيه هو التوظيف وان احتوى
عنصر الحكاية ، ففي ذات الفصل (هاهي
تهرول ضد تكلّس الزمن فتختزل جميع الرّجال فيه، وتبني في وجه الريح حصونها . قررت
أن تنسى ..أنوثتها إلى حين مجيئه. غيرت نمط لباسها ،عطورها ،إلى أن ترحمهما السماء
باللقاء. ) هذا الوصف لسلوك شمس يتضمن معاني اجتماعية و فردية ، لا احد يفكر بعد الان الا
بان شمس على مستوى عال من النضج و الوفاء و الحكمة و الجدية و الرقي ،و الصبر و ان ذلك هو مثال الانسان و مثال المجتمع الذي تريده الكاتبة ، فلم تكن هذه العبارة مجرد
قرار و موقف اتخذته شمس لاجل حبيبها .
من هنا يكون واضحا في نظام الوصف ان الحكائية تتناسب مع
مقدار الرسم ، اي رسم الملامح ، و التعبيرية تتناسب مع مقدار التوظيف ، اي توظيف الوصف لاجل التوصيل و الرمز و
الايحاء ، و من الواضح ان التوصيل و الرمز و الايحاء هي من وظائف الصورة الشعرية في الاساس ، و بذلك يقترب
الوصف السردي في التوظيف و التعبير من الصورة الشعرية ، بمعنى اخر يمكننا تمييز
ثلاث درجات من الوصف التوظيفي التعبيري ، البسيط و المتوسط و الضعيف .
ففيمثل
حب و حرب (صعب فراقك يا قمر....ومرّ
كالحنظل...فما عساك تقول؟ بالأمس حين كانت المعاني سقيمة حين كانت الحياة تظلمني
أعود إليك كطفلة صغيرة أندسّ بين ثنايا وجهك أحلم وأتخيل كلّ أشيائك الجميلة فيغرق
فيك تفكيري وتشرق أمنياتي كشمس الصباح كزهرة ياسمين ندية،وأنسى جرحي. ) فان الوصف
موظف لتوجيه خطابات متعددة ، بتجلي الفراق
و اثره على الانسان ، و تجلي قسوة الحياة و الاغتراب و اللافهم الذي قد
يحيط بالانسان ، و تجلي الانتماء بالعثور
على الوطن و الفضاء ، و تجلي الازدهار و الابداع
و النماء في عالم الفهم و الاعتزاز و الحب
، فلم يعد هذه الفقرة مجرد وصف للحزن بالفراق و ابتعاد العزيز الغالي .
و فيه ايضا (.. أبحث عنك حبيبي
بين خبايا ابتسامات النّهار،في جرح الشعوب،في انتفاضات الصّغار،في براكين الغضب
اللذيذة. \تنتحر حبيبي
كلّ يوم من اجل الكرامة.\ماذا أقول اليوم لأرصفة الطريق التي شهدت دموعنا على القضية!!!!\ماذا أقول
للمذابح البشرية..؟؟للجنائز اليومية؟؟؟.\أحبك يا قمر بكلّ ما فيك من عزة ونخوة وكرامة.) فان هذا النص كما
يصف دوافع الحب ، الا انه يعبر عن فكرة
الرجولة الذي تريد ان تراها المراة في الرجل و تجلي فكرة البحث الانساني نحو الكمال و
التكامل ، و فكرة الاستقلالية و ارادة المتناغم و الموافق ، و فكرة الحرية و
التحرر ، و فكرة الشعوب الجريحة و الشعوب الحية
و فكرة الطفولة المسلوبة ، و فكرة الموقف الانساني و الاخلاق و المبادئ و
القيم ، و فكرة انحطاط الحضارة و تدهور وضع البشرية ، هذه العبارة هي من التوظيف
العالي و ما قدمنا اولا هو من التوظيف المتوسط ، و هناك توظيف بسيط في النص كما في
بدية الفصل (خاطبت السفن أشرعتها متى الرّحيل؟ متى اللّقاء؟ نطقت دموعها بكل شيء
.زلزلها حبه الجامح حرّك فيها رغبة الجنون.وفاض كأس انتظارها. ) و الذي يقترب
من الوصف الحكائي .
ان الملفت للنظر فعلا انك من
الصعب ان تجد وصفا حكائيا او تعبيريا بسيطا ، فان لغة الرواية تميل و بقوة الى
التوظيف المتوسط و الشديد ، و الذي يجعل من السرد الوصفي هنا سردا مكثفا و ربما
يرجع ذلك الى شاعرية الكاتبة ، حتى انا
نجدها تصرح باشعاعية روحها و كلماتها ففي
ذات الفصل (.شمس ليست مجرد امرأة جميلة تبحث عن الحبّ والسّكون...!!!شمس خنجر في
قلوب أسياد القبيلة الخائنة،جرح ينزف منذ عصور.\هاتف صداه يأتي من أنين أجدادي ,وأجدادك ) اذن
هذه هي شمس او لغة النص او كتابة الكاتبة لغة اشعاعية معبأة الى اقصى حد ممكن ،
لذلك لا نجد اسم ذات يمر الا واردفته الكاتبة بصفة فيه مجازية تزيحه عن كونه مجرد
جزء وصفي لتعطيه ثقلا تعبيريا ففي فصل حب
وحرب (بالأمس ( أي امس ) حين كانت المعاني
( أي معاني ) سقيمة ( أي سقم) حين كانت الحياة ( أي حياة) تظلمني أعود إليك كطفلة ( أي طفلة ) صغيرة ( أي صغيرة ) أندسّ بين ثنايا وجهك ( أي اندساس ) أحلم
وأتخيل كلّ أشيائك ( أي اشياء ) الجميلة ( أي جمال ) فيغرق فيك تفكيري ( أي غرق ) وتشرق أمنياتي ( أي شروق ) كشمس ( أي شمس ) الصباح كزهرة ياسمين ( أي زهرة ) ندية . ) ان هذا السرد التصويري كان يمكن ان
يكتب بلغة سردية معهودة هكذا ( بالامس حين
كانت الحياة تظلمني الجا اليك ) الا ان الكاتبة ابت الا ان تعطي وصفا تعبيريا لكل
كلمة من هذه العبارة ، و ان تعطي للمبين معنى اخر ، و ان تعطي للمعنى الاخر ثقلا
اخر ، انها سعت نحو سرد وصفي توهجي ، من خلال التصوير التعبيري ، فانه ليس مجرد
تاكيد و بيان الوطأة و شكل المعنى ، و انما خلق للمعنى و تثقيل و توسيع بل و تغيير
احيانا ، اذ كيف يمكننا ان نتصور الخلاص من عالم بلا معنى و سقيم بمجرد تخيل و حلم
، الا اذ فهمنا ان ذلك التخيل و الحلم كان عالما اقوى من العالم السقيم فادى الى
الاشراق و الحياة الجديدة .
6- الحوار
الحوار منتشر في النص ، و يتخذ اشكال مختلفة ، حتى انه
قد يكون شاملا لجميع اشكال الخطاب ، الذي يستنطق غير الناطق واقعا ، فالكاتبة بخيالها
تستطيع ان ترى ان كل شيء يسمع و كل شيء
يتكلم ببساطة ودون تكلف . حتى اننا نجد
خطابا موجها الى اللامعين و الى الفراغ الذي يستطيع ان يحل مكانه من يريد القارئ ،
الحبيب ، المجتمع ، الانسانية ، الاشياء ،
الكون .وهذه عادة هي لغة الموقف و اللغة المجانية من حيث المخاطب ، و لولا
التزامنا بفهم الرواية كنص سردي ، لامكننا القول بحالات تداخل الضمائر ، و حلول
المتكلم محل المخاطب و بالعكس كما في لغة الشعر ، فنجد الشاعر يذم نفسه بضمير
المتكلم و المراد المجتمع او الانسانية التي
تمثلها .
في ورود
الاشتهاء (يا رياح الجنوب، يا كلّ أعاصير
الجنون لست أدري هذا اللّيل الكئيب متى ينتهي؟ ) المتكلم ، الغامض بين الشخصية و
الكاتبة يتحدث الى الرياح و الاعاصير ، و هذا ما لا يكون الا بمجانية الخطاب ،
الذي ساحته الاصلية الشعر ، فهنا نحن امام اعلى مستويات النثر الشعري ، و
لولا التعاونية و العقدية
بالسردية و التعبيرية ، لامكن
القول بشعرية هذا المقطع . لكن في الحقيقة لا ينتهي الامر الى هنا فان بعد ذلك
تقول الكاتبة او الشخصية (أعصر وجعي بين أصابع الصمت فيصرخ الصّمت في الجرح ،في
الدّمع ،في القلوب ،في الشّوارع المسافرة ،في الجبال الرّاسية، في الثّلج المكوّم
على الشفاه المكدّرة في الإسفلت المعشش في الأفكار الرخيصة التافهة.\أصنع تمثالي من
غضبي ،من انتفاضات البراكين فيّ. فتثور كل العواصف المدفونة فيك يا قمر.) من الظاهر ان
هذه التصويرية و المجازية لا يمكن ان توصف بموضوعية الا انها شعر ، و ربما يمكننا
تاكيد ذلك بانثيال تجاوري مفهوم جدا حينما تقرر الكاتبة انها امام حالة شعرية فتقول بعد ذلك (ترتجف
بحور الشعر حين تتبعثر كل الغرائز الكونية ...وتنتحر القصائد بين تلال الزحام
العطشى...متى تنتهي أيّها الليل .)
7- الصراع
طبعا من العلوم ان مصطلح الصراع حاضر و بقوة في فكرة
الرواية . إن الصراع يعد بمثابة العمود الفقري في البناء الدرامي فبدونه لا قيمة للحدث أو لا
وجود للحدث. ( عبد العزيز حمودة 1998) ، و للصراع مفهوم حضوري
قوي جدا مكبل و خطير لا يترك حرية للكتابة ، فوجوده يتطلب نسقا من الانظمة و
العلاقات لا يمكن تجاوزها الا بكسر المنطقية السردية ، لذلك و لما سنبين يجوز لنا
التشكيك في اشتراط هكذا مفهوم في الرواية و ان ما هو معتبر هو التوتر فان مركب الاحداث و المواقف حتما يؤدي الى توتر
، او ان يتوسع في مفهوم الصراع ليشمل التوتر .
في القاموس (صِراع : خصومة
ومنافسة ، نزاع ، مشادّة ـ صِراع :
تباين بين الشَّخصيَّات والقوى في عمل
دراميّ أو خياليّ وخاصّة التبَّاين الذي يؤثِّر على العقدة ) في علوم الاجتماع ) تضارب الأهداف ممّا يؤدّي إلى الخلاف أو
التصارع بين قوَّتين أو جماعتين)
قاموس المعاني 2014 ) من الملاحظ و كما هو واضح للوجدان الصراع غير التباين و الاختلاف
و التضارب ، و انما هو تباين خاص له اثر ،
و هو تضارب يؤدي الى الخلاف و التصارع .
تقول ايمان بومزير (يستخدم
مصطلح الصراع عادة للإشارة إلى وضع تكون فيه مجموعة معينة من الأفراد سواء قبيلة
أو مجموعة عرقية, ثقافية, لغوية, دينية, اجتماعية, اقتصادية... تنخرط في تعارض
واعي مع مجموعات أخرى معينة لان كل من هذه المجموعات يسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة.و يعرفه لويس كوسر
" بأنه تنافس على القيم و على القوة و الموارد يكون الهدف فيه بين
المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم "و الصراع هو تفاعل بين البشر وهذا يعني انه يتضمن درجة أعلى من
مجرد التنافس ( ايمان بومزير 2013) و في
الوكيبيديا : نظرية الصراع Conflict Theory في علم الاجتماع هو مصطلح يشير إلى
أطروحات مفادها أن معظم الكيانات المجتمعية تشهد حالة من الصراع الدائم من قبل
المنضوين فيها بهدف تعظيم منافعهم، هذه الحالة الصراعية تسهم بشكل أساسي في إحداث
حالة حراك وتطور اجتماعي تصل إلى أقصى درجاتها مع قيام الثورات وما يصاحبها من
تطورات سياسية.(وكيبيديا 2014) .هذا ما اردت ان
اشير اليه ان الصراع يؤدي الى وضع قوي
يفرض نفسه و في فضاء السرد
يعني تسلط الكتابة على الكاتب وهو
خلاف تقوم السرد بتسلط الكاتب على الكتابة
. فلو حصل صراع فاما السير وفق منطقيته او
، التجاوز اللامنطقي عليه .
رواية حنين حكاية حب و موقف ، و لو ارجعنا الحب الى
الموقف ـ صارت لدينا حكاية موقف نقية ، و يتجلى الموقف في رواية حنين باشكال
مختلفة من الصراع ،و الذي في الغالب تكون الذات محورا و جزء ، فنجد صراعا مع
الواقع الفردي الرتيب و صراع مع عالم
العواطف الجديد و صراع مع واقع المجتمع
المختلف ، و صراع مع الواقع العالمي الظالم و مظاهر ذلك واضحة للقارئ ، و لان الرواية قائمة عن عالم الانسجام و فكرة النضج و العقلانية فان مظاهر الصراع مع
النفس و الحبيب لا تظهر الا نادرا وهذا
واضح ايضا .
اضافة الى ما تقدم من اشكال الصراع الخارجية و
الداخلية ، فان نجد في رواية حنين صراعا انتمائيا يماشي فيه الكاتب المجموعة و يحيل القاري الى صراع موازي للكتابة اما واقعي او خيالي ، و صراعا نقديا لاانتمائي تثور فيه الكاتبة على
المجموعة و واقعها . فالاولاي الصراع
الانتمائييتمثل بالوطنية ففي فصل
شهادة وطن (حبيبي يا أغلى من
روحي لا تخف علي أنا مع الناس في الشوارع (يعني ترضى أظل في برجي العاجي أكتب شعر
وقصص وأولاد بلدي بيموتو بالشوارع؟)يشتدّ جنون قمر
ويزداد قلقه عليها هو يعرف شخصية شمس العنودة ..ولما رأت الشوارع الهادرة رفعت
يدها وصرخت بصوت محبوس من زمن بعيد (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب
القدر)رأت
نفسها تسير ضمن مجموعة كبيرة من الشباب والبنات اللذين رفعوا موقف الحياة إلى موقف
الشّهادة للوطن . كانت حولها همهمات كثيرة تشير جميعها لفداء أرضنا وشعبنا . مدّت
يدها والتقطت صورة الوطن الملقاة على أرضية الطريق ورفعتها لأعلى كان صوتها
المخنوق بادئا في النّشيج. ) و بالقومية
ففي فصل اشياء للذاكرة (
فترسم كلماتها على لافتات وتسلّمها صباحا لرفاقها في الوقت المحدد للمسيرة
الطّلابية. التي تندّد برفض الظلم والبطش الصهيوني على بعض الدول العربية ) و
في فصل امطرت السماء وردا (و..سرقوا أمجادنا ونسبوها إليهم بل وساعدناهم في ذلك بالمفاسد
التي تقترفها بعض القلوب العربية المريضة نفسيا ،التي تفرش الأرض وردا للمحتل ،
وتقدّم له أمتنا على طبق من ذهب،...نحن نجوع ونشرّد ونكابد الأمرّين ، ليشبعوا هم
من أرضنا الحبلى بنخيلها وكرومها وثرواتها وبترولها ....شيء مُقرف يا قمر...كلما
حاولنا تناسي القضيّة وعمق الوجع إلا وصفعنا التاريخ والكرامة وجذورنا الأصيلة،
فيَشّتد الغضب داخلنا ونرفض العيش البخس وتختار الموت بشرف على الحياة
الرّخيصة....ولكن هل يشعر هؤلاء البيادقة الذين باعوا أمتنا ولو للحظة بالنّدم؟؟؟
\هل مازالوا سيقدمون دولا أخرى ككبش فداء؟؟ إذن لغة الدم لن تنتهي من أرضنا،نحن
لهم بالمرصاد..) و يستمر الحديث عن معاناة الشعوب العرية فياخذ مساحة كبيرة نسبيا
فيكون للقضية القومية حضوره المميز .
الثاني من الصراع هو الصراع اللانتمائي بنقد
مظاهر اجتماعية متخلفة ففي ذات الفصل (
لكن أنانية هذا المجتمع الذي تجذرت فيه رواسب أخلاقية بغيضة .حيث يرى أغلبه المرأة
جسدا ومتعة وكائنا خلق للإنجاب وتربية الأولاد "وإرضاء سي السيد" العربي ..هذا
المجتمع المتخلّف، الذي يفكّر بنصفه الأسفل الذي يقتل الأحلام ) و فيه ايضا (مالك
حبيبتي؟؟ \ـ منزعجة من بعض الأفكار الرجعيّة
، حياتي أنا أعدّ مقالا حول اضطهاد المرأة في مجتمعاتنا \-شمس
بطلي جنان وريحي حالك \وتدخل شمس في نقاش مطول مع قمر وتتضارب الأفكار. \فقمر يدافع عن
رأيه مدعما كلامه بشواهد دينية يفسّرها حسب اجتهاد بعض المذاهب الفقهية.\وأمام عناد قمر
وإصراره على موقفه يتحول وجه شمس إلى إعصار.\ فتختنق الأحلام داخلها وتشعر بانهيار عرشها الشّيء الذي جعل
أنفاسها تحبس للحظات فتزجّ في حوار مع الذات) و هكذا تجعل قضية المراة مركزية في
جزء كبير من النص ثائرة بذلك على افكار المجموعة .
العنصر
الثاني : الإتقان
و فق معيار الشيوع الاصطلاحي الذي نتبناه في تبين العناصر الابداعية لانه قريب من منهج الاستقراء العلمي ، فان الرواية المتقنة توصف غالبا بانها آسرة تشد القارئ و تحضره معها في الاحداث بالتسلسل و العقد . و ثانيا التشويق و غموض النتيجة ، و ثالثا الاقتصاد في الشخصيات و عدم الاسفاف في الشرح وانما يكتفى بالتلميح و رابعا حيادية الكاتب بحيث لا يظهر رايه او فكره المناوئ للشخصيات (بدر بن عبدالرحمن العيسى 2006) . و لا بد من الاشارة ان الاتقان الفني لا يعني الجمالية ، الا ان الاتقان الفني و تكامله يشير الى امتلاك المؤلف القدرة على الانجاز الجمالي ، اذن الاتقان الفني مؤشر على الجمالية لا انه هو الجمالية .
من الواضح بلوغ الرواية درجات
متقدمة في هذه الجوانب / و التي سنشير الى كثير من تفاصيلها في الابحاث التالية ،
و اما حيادية الكاتب فهو مؤكد في السرد الموضوعي و الوصف و التقرير ، اما في السرد
الذاتي ، و رواية الموقف الذي يكون من
المحكي الذات بحيث يكون المؤلف حاكيا ، و الرواية رواية خطاب موقف كما هو شكل رواية حنين ، فان
للذات المؤلفة حضور مؤثر و تكون
لنظرتها توجيه ظاهر في السرد و مكوناته .
العنصر الثالث : الابتكار
من الملاحظ اتصاف الرواية بصفات مميزة منها :
اولا :
طغيان اللغة الشعرية و المجاز و جميع
فقرات الرواية شاهدة على ذلك .
ثانيا :
طغيان الخطاب و تجاوزه لحدود النص ففي فصل ورود الاشتهاء (كنت أبكي هموم الناس
وأتعذب لمشهد المظالم وإراقة الدماء . كم تمنّيت لو تمنحني السّماء عصاها السّحرية
فأجعل الأرض جنة أبدية ,اغسل القلوب الفاجرة والظّالمة فتصير الإنسانية أحلى
وأجمل...كم تمنيت لو أجعل الناس إخوانا ,أمحو الطبقّية....قد تضحكك كلماتي ..قد
تقول أنّي معتوهة..) و غيرها كثير .
ثالثا :
تجلي الموقف و حضوره القوي ففي فصل ورود
الاشتهاء (أيّها الزّمن أيتها البشريّة؟؟؟
عشت عمري أحلم بين الكتب وأبني قصورا من المثل وشخصيات من نبع أخيلتي. شخصيات منزهة من
كلّ الأدران الكونية. ) حتى تقول (أني غارقة مع أفلاطون
في مدينته ،لكنّي سعيدة بغرقي سعيدة بمُثلي ..حتى وإن عزلتك أيها الزمن عن ذاكرتي
وسبحت بين أحلامي وحيدة ،فأكون قد التقطت نجوم السّماء وذبت كما الثّلج في التّلال
البعيدة. حتى وان تورّمت
قدماي فسأنهض من جديد سأعض على جرحي وأمضي نحو الشّمس شامخة ألثم السّماء. لا تقلق من أجلى
أيها الشتّاء اذا حزنت فمن حزني أصنع دروع الكبرياء ومن وجعي أولد لأكون اقوى
النّساء. )
رابعا :
حضور المؤلف في الرويات بان يكون حاكيا و محكيا
ففي تمهيد ظلال الشمس (في الليالي
الحالكات فرشت لي رموشها .فصول الرواية تدفعني للبوح بنبض الحرف. مسكت قلمي
،أناملي ترتعش.هل سيفهم القارئ ما يجيش في أعماقي..أريد أن اكتب من الكلمات لؤلؤات
أودّع بها عتمة الخوف والتردد فتوقظ الأرض لتفك ضفائر الخير والقيم الخالدات
....هكذا سبحت شمس بين شلالات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن ملامح وجهه أصابعها
مجمدة جعل الحرف معوج والملامح غريبة .)
خامسا : استعمال اللغة
الشعبية : ففي فصل حب و حرب ( تصرخ شمس :اترك
شعري يا قمر أنت هيك بتؤلمني- ما حتركك إلا لما
تقولي بحبك يا قمر - والله بموت فيك يا
قمر بس اترك شعراتي ) و في فصل ورود
الاشتهاء (اشتقتيلي يا شموسة مو
هيك؟ ) و ( انا بخير أشوفك بعد شوي" )
اضافة الى ذلك هناك تميز اسلوبي
في الحكي ، منها التوظيف و الاعتماد على التراكم التاريخي للكيانات الخارجية و
الداخلية ، و كذلك الاهتمام بتطور الكيانات الروائية و صناعة تاريخ روائي لكياناته
، و التوسعة في مساحة العقد الكتابي ، و
اللغة السردية الايحائية و سنتحدث عن ذلك مفصلا في مبحث الجمالية .
العنصر الرابع : الاقناع .
إنّ عدم الشعور بالقفز رغم تضمن الروايات مجموعة من التوظيفات و الابتكارات التي اشرنا اليها ، بحيث لا يجد القارئ خللا في التركيب رغم التبيان الظاهر في شكل اللغة من شعبي و فصيح و موضوعي و ذاتي و نثري و شعري ، كل ذلك يدل على تحقيق الرواية مستوى متميز من الاقناع .
الجزء
الثاني : الابحاث الجمالية (الجمالية
السردية )
اولا : التجليات
لا بد ان نكون ممتنين فعلا لما بلغه الوعي الادبي في مجال فكرة الكتابة و القراءة ، و تحقيق وعي عميق و حقيقي في مفهوم الانجاز و الجمالية ، يقول ابراهيم فتحي : أن الجمالية أساساً هي تطوير طاقات الإنسان الحسية والعاطفية والذهنية ، وليست مجرد زخرفة وتراكيب، ان جمال النص هو مجموع ما يبتعثه من أحاسيس ومشاعر ورؤى تعصف بالقارئ وتوسع نظرته للعالم ، تدرج الفرد في النوع البشري وترفعه إلى المستوى الإنساني.( ابراهيم فتحي 2014) . من الواضح جدا ان حضور البعد المعرفي في مشاهدات الانسان المعاصر و طغيان نظرية العلم و الادراك العميق بالحقائق التي تقف خلف الظواهر ،اسقط ظلاله على فكرة القراءة و المتعة بانها ابحار في جميع الانظمة و العلاقات و العوالم الممكنة في عنصر المشاهدة و العمل الابداعي ، ان انكشاف العوالم الخلفية من دلالات و تمثيلات كلها تحقق متعة جمالية صارت جزء حقيقيا من الوعي الجمالي الانساني المعاصر ، وهذا ما نسميه بمصطلحنا الخاص ( التجلي ) و الذي نعده احد ابرز ملامح الجمالية المعاصرة .
و يشير
ايضا الى حقيقة روائية مهمة اذ يقول : تتعلق الجمالية أيضاً بتصوير الشخصيات تصويراً
يبتعد عن التصوير الإخباري المباشر، بل تصوير اتساقها مع مسار الأحداث وتفاعلها مع
الآخرين خلال مونولوجاتها الداخلية
وحواراتها، فهي تكتسب الجمالية من خصوصيتها وليس من كونها شخصية جاهزة . ( ابراهيم
فتحي 2014 ) . و ايضا يمكن القول ان
هناك شكلا اخر من التصوير هو التصوير التراكمي ، بمعنى ان ملامح الشخصية تتكامل من خلال جميع صفات و ملامح الكيانات و الانظمة التي
يرتبط بها ، فمثلا حينما يكون (قمر ) في رواية
هو العراقي الاسمر ، فان بذلك
تتشكل له ملامح غير منطوقة و انما معلومة
بالتراكم المعرفي و الخلفي ، و هذا الشكل من الوصف التراكمي ، يعتمد وسيلتين ،
الاولى هي الاحالة الى كيان تاريخي واقعي
معلوم ، و الوسلية الثانية هي تكوين تاريخ
خيالي للكيان ، و بربط الشخصية باي منهما تدخل المعارف التي يحملها ذلك الكيان
التاريخي في صفات الشخصية و ملامحها عند
القارئ ، من هنا يكون واضحا ان تجلي التجارب و الذوات في النص يكون تراكميا مركبا انتزاعيا من عدة مناهل داخل
النص و خارجه .
ان هذا
التطور المهم في الكتابة الذي يبتعد عن الاخبار عن الملامح و يتجه الى تجسيدها مع
ان له بعدا مثاليا بحلول العمل محل القول ، فانه يحقق جمالية عالية من متعة اكتشاف
الملامح و تكميل الصورة بواسطة القارئ ،
مما يؤدي الى فهم الاستجابات و المواقف و تبريرها ، ان حضور الملامح تجسيدا
و ليس اخبارا هو التجلي ، و هذا الشكل من الابداع و الحضور نجد له صورا واضح في
رواية حنين
فالحنين الذي هو عنوان الرواية نجده يتجسد قويا
في النص ، بحيث ان النص يرسم لنا حنينا مميزا تريد الكاتبة ان يكون مثالا انسانيا ، و بالاسلوبين الاحالة على المعلوم التاريخي
الواقعي و بصناعة تاريخ خيالي للحنين ذي خلفيات معرفية واضحة ففي فصل افوف الورد (شعرت أنّها تحتاج إليه
بزهر البرتقال فيه يطوق أحاسيسها. لكنها تعاند نبضها ،تقاوم تدفقه إليها، رغيف
اللهفة يشحذ شوقها أغنيات. ) انه حنين احتياج ، ياسر الاحاسيس هنا يتشكل تاريخ خيالي لحنين
شمس ، ثم توظيف لبيان هذا الحنين زهر
الرتقالباعطاءه زخما معنويا ، و اكثر صراحة و شدة هو استعارة الرغيف الذي هو عصب الحياة ، و حنين
يصنع الاغنيات التي نعرف كلنا انها لا تكون الا من الاعماق ، اذن تشكلت في هذا
المقطع صورة ملامحية للحنين متجسد ، و
هكذا من خلال بيانات و اشارات اخرى للمشاعر و الاستجابات و المواقف و التصريحات
تتشكل صورة كاملة عن ذلك الحنين ، ليس بالوصف التقريري و انما بتجسيده عمليا و
حضورا شخصيا .
ان عمل التجلي يجعل من جميع
المعاني ذوات حاضرة في العمل ، لا شيء يقبل الاهمال و لا شيء هامشي ، كل معنى
اضافة الى الشخصيات يكون له حضوره و تاريخه و تجسديه ، العمل التجلياتي ينطوي على
مجموعة كبيرة من الابطال و الحاضرين و الفعلين ، الكل يتجسد و الكل يحضر كل ما له
اسم او معنى ، الكل يصبح له تاريخ تصنعه الرواية ، و بهذا التاريخ تتفتح عوالم
امام القارئ ، و تتوسع مدراكاته و فهمه لذلك المعنى ، اضافة الى ما يصاحب ذلك من
تمثيل لذلك المعنى لمعاني اخرى تريد ان تتجلى ، فالحنين هنا كما انه حالة شعورية
لشمس فانه صورة تعبيرية عن شمس و عن قمر و عن الزمان و المكان ، و عن الرغيف و عن
البرتقال و غير ذلك مما يدخل في ارتباط معه في النص و خارجه ، ان التجلي عالم كامل
من الحاكي المحكي ، فلا يقتصر على ان يكون الكاتب حاكيا محكيا بل كل كيان او معنى
في النص هو حاك او محكي ، فتصور مقدار الدهشة و الفضاءات التي ستكون في القراءة .
ثانيا : التوظيف
من الواضح ان التوظيفية ترجع في
حقيقتها الى الفنية السردية ، و تنطلق التوظيفية من فكرة انه لا شيء في البناء الفني زائد ، بل الكل له
مكانه و دوره و ما كان الا بقصدية عالية ،
ان جمالية السرد في جزئها الاعظم و المتعة التي تتحقق بقراءة الرواية تكمن فيحقيقة ان العمل الفني ليس انتاجا فحسب بل هو
ساحة للانتاج ، و ربما لانتاج معاني لا تنتهي
و ذلك يعتمد على المتلقي ايضا ، لكن
في تعظيم الانتاج تظهر قدرة
الكاتب و ابداعه الفني شعرا كان او سردا ،
و بينما تتمظهر الانتاجية الشعرية في التصوير فان الانتاجية السردية تتمظهر
بالتوظيف لعناصر السرد .
ان
الحكاية قد تجنح الى السرد المفصل التقريري بتسكين القارئ و تغذيته بالمعلومة ، و قد تجنح
الى اثارة القارئ و تفعيله و جعله مشاركا
، التوظيف الذي يحتاج دائما الى بناء و تركيب و مراجعة للمخزون المعرفي الخيالي و الواقعي ، يجعل من القارئ جزا من
المؤلف ، وهذا امر مهم في تطور الكتابة المعاصرة و القراءة ايضا .
اشكال
التوظيف و الامور الموظفة في رواية حنين كثيرة جدا و منتشرة في النص ، بحيث ان
التوظيف هو السمة الغالبة على النص ، و لا نقصد فقط الاعتماد على ما له تاريخ في
الوعي العام الخارجي ، و انما نقصد ايضا ما له تاريخ خيالي في النص ، فالتوظيف كما
يمكن ان يكون للتاريخ الخارجي اي خارج النص فانه ايضا يكون للتاريخ الداخلي ، و
يمكن ان نلحظ في النص تاريخا مميزا هو التاريخ الروائي .
التوظيف
كما قلنا له اشكال متعددة و موظفات متعددة في الرواية لكن من الموظفات العناوين
وهنا نقاط:
1- اولا الشكل العنواني : العنوان الرئيسي حنين اسم واضح المفهوم و الدلالة ، توصلي بذاته مستقل ، و اختياره عنوانا يحعل منه عنصر مناسبة لتجلي معنى الحتين و احضاره و حضوره بقوة امامنا جميعا ، فيكون النص عامدا و من الوهلة الاولى الى البوح العالي ، و لانحقل الحنين هو العطاء و الحب و الحاجة ، فاننا من الوهلة الاولى امام انسانية وعطاء و محبة متجلية في هذا العنون ..
2- ثانيا علاقة العنوان بالمعنون
بقراءة الرواية نجد ان العلاقة بين العنوان و النص انتزاعية ، فهو يختصر المحور البوحي و القصدية للكاتبة و الكتابة، فنكون بذلك على ادراك واضحة اننا اما تجل و حضور لمعاني الانسانية و العطاء و المحبة في هذا النص . واما عناوين الفصول العشرة ، فاغلبها مركبات مجازية و التعبير بها عن المضمون مجازي ايضا .
3- ثالثا : قاموس العناوين :
من الواضح رجوع مفردات العناوين الى حقول معنوية رقيقة من ورود و حب و اغنية ، و ايضا الى عوالم معنوية اكثر قوة و حضورا كالمطر و الاشتهاء ، و نجد ايضا لفظا عنيفا واحد متمثلا بكلمة ( حرب ) جاءت مقرونة بالحب . و لو لاحظنا انتزاعية العناوين ، فان عالم العنوان المعنوي توسع كثيرا ، فلا نكون امام حقل و مزاج رقيق عاطفي ، و انما نحن امام فضاءات و عوالم من المواقف و المشاعر و الرقة و بمعونة البناء المجازي و الشاعري فانا امام عالم من اللغة الشعرية و الخيال ، و من خلال الحكي الذاتي فان تجليات الذات المريدة و المطالبة تاسر المكان .
ثالثا :
التاريخ الروائي
في
التاريخ الروائي تكون كيانات النص كيانات متطورة ، بغض النظر عن طبيعتها ، حية
كانت ام غير حية عاقلة ام غير عاقلة خارجية كانت ام ذهنية ، الكل له تاريخه ، و
الكل له اماله و سعيه و حركته ، و في الحقيقة هكذا سعة في النظر للاشياء يحتاج الى
مخيلة ،لانه كسر صريح و قوي لمنطقية الوجود . قد مثلنا في ماسبق كيف تطورت ( بغداد
) في النص و صار لها تاريخ روائي ، و نذكر
هنا مثلا اخر هو الزمن . فبعد شخصنة الزمن و جعله ذات (أيّها
الزّمن أيتها البشريّة؟؟؟ \ حتى وإن عزلتك
أيها الزمن عن ذاكرتي\ أمام عنجهية الزّمن.
\ لم يأبه الزمن الأناني لصرخة هؤلاء , ) يتخذ الموقف منه مع التبرير فانه
(الزمن العابر\ تكلّس الزمن\ الزمن الأناني \ صهيل الزّمن الموبوء.زمن الخسة )
فيكون الموقف ( نعم محبّ حطّم كل البقايا الفوضوية، وقع معاهدة التحدّي مع الزّمن.\ \ حتى وإن
عزلتك أيها الزمن عن ذاكرتي\
وأشرع صدرك لكدمات الزمن. ) فنلاحظ ان الزمن في رواية حنين له صورة ليست هي صورة الزمن الظرف الذي نعرفه
.
رابعا : العقد التخاطبي و الوفاء
بين كل متكلم و قارئ عقد تخاطبي كما اشرنا سابقا . و هناك امور مقومة للتخاطب بديهة اهما القصدية ، فانه لا يكون كلاما ما لا قصدية فيه ، كما ان الافادة مقومة للكلام ، و هذه الافادة لا تقتصر على المعنى . و حينما يكون تلميح او تصريح بتقديم شكل كتابي معين ، فان العقد يمكن الاخر من توقع صورة اجمالية للعمل ، ان هذه الصورة تكون راجعة الى مرجعيات نوعية ، احداث تغيير او اضافة عليها يحتاج الى عمل كبير و اقناع ، نجد انفسنا كقراء امام رواية لكن في وسط السردية نجد شعرا ، الا انه بظهور مقنع ، و نحن ايضا امام لغة فصحى ، و في وسطها لغة شعبية ، الا انها بظهور مقنع ايضا .
لو طرح سؤال ما الفائدة من دراسة الاعمال الابداعية ؟
لكان الجواب الواضح هو توسيع المدركات بالفن و الجمال . و هذه الصورة من التوسعة
لعالم العمل و مكوناته احدث توسعة مفهومية و فنية و الجمالية عندنا
، وهذه احدى الغايات الجوهرية
للقراءة التي قد تكون اهم من الامتاع حتى من جهة النظرة الجمالية .
رابعا :الرؤية
راوية حنين هي راوية الروائي بامتياز ، فان تدخله في
التفاصيل واضح ، و كان الراوي يحجم عن
الخيالية لاجل ان من الواضح ان الرواية رواية موقف و لغالبية للسرد الذاتي ، فان
الكاتبة تكون في كثير من الاجزاء حاكية و محكية ، و انحصار السرد بنظرة و رؤية الكاتبة مما لا
يخفى بل هو طاغ في النص ، و لقد بينا كثيرا من مظاهر الموقف و الصراع الرؤيوي و
الثورية و الخطابية التي اشتمل عليها النص
، و كذلك ما اشرنا اليه من السعي و الحلم بوجود مثالي للحب و الانسان و
الايثار ، بمعنى اخرى اننا امام نص يجسد
رؤية الخير و العطاء .
خامسا : الطاقة الحكائية
ان مفاد
السرد هو الحكاية ، و كلما كان هناك تعدد و ثراء بالحكاية و عدم
اطناب في السرد يكون لدينا لغة سردية بطاقة حكائية اكبر ، و التوظيف
واهمه الرمزي او التراكمي و التلميح
من الوسائل المهمة جدا في تعظيم طاقة السرد الحكائية ، و بتجلي التجربة و الرؤية ، يكون امامنا عمل
بطاقات حكائية كبيرة . في رواية حنين ، هناك
توظيف لموظفات و توسيع في قيمة الحكي في المادة السردية ، و بمعونة
الايحاء الشعري و المجازي ، فان النص مملوء بمواطن الطاقة الحكائية فمثلا في فصل
وامطرت السماء وردا ( قصّة
حب شمس وقمر ضمير الوجود الذي يعانقهما بما فيه من بشر وشجر ورائعات الورود وطيور
شادية تصرخ داخل صدر الحياة..\كأنّهما بحبّهما المجنون، وأشواقهما التي لا تحد،وطهرهما،أصبحا
فوق البشر...\يصليان معا في محراب العذراء،في صومعة الأتقياء، في المساجد التي
تفوح برائحة المسك والعنبر ) ان استعمال
كلمات لها تاريخ كبير في الوعي هو من التوظيف العالي فكلمة ( ضمير ، بشر ، شجر ،
طيور شادية ، الطهر ،فوق البشر ، الصلاة و المحراب ، العذراء ، الصومعة ، الاتقياء
، المساجد ، المسك و العنبر ) هذه الكلمات اعطت للوحدة السردية طاقة حكائية عالية
لانها مختصرات سردية ذات تاريخ واسع في الوعي الانساني ، انها لغة سردية ايحائية
تختلف نوعا ما عن اللغة السردية الوصفية .
الجزء
الثالث : الابحاث الرسالية
عكس ما هو شائع من اعتقاد حصول فوضى عارمة في الفكر و المصطاحات و المفاهيم ، فان ما حصل فعلا هو ان عملية التلاقح و الترابط جعلت الثقافات المختلفة ترى المفاهيم عن قرب ، فتحاول استيعابها عن قرب ، و الا فان فكرة البشر عن الحياة في تقدم و نضج بفضل العلم المسيطر على كل شيء ، ان ما يحصل فعلا هو حالة تخلف عملي يرافق تطور معرفي ، فالخلل الواضح في العمل الانساني ليس مصدره الفكر الضعيف بل سببه تخالف العمل عن الفكر الواضح . من اهم الانجاز في هذا المجال هو تغير النظرة الى العمل الادبي من النص الى الخطاب ، وهذا المعنى يجعل الخطابية و الرسالية جوهرية في ما هية العمل الفني و تعريفه ، و هذا امر مهم لانه يعني دخول الالتزام الاخلاقي الانساني في مهوم المنجز . رواية حنين و في كل فقرة منها مثلت فكرة ان العمل خطاب ، بل وهناك تاكيد على الرسالية فيه ، يصل حد التصريح بذلك .
اولا : الرسالية الجمالية :
1
- الدافع الجمالي
- الدافع الجمالي
قصد
الكتابة الجمالية واضحفي رواية حنين ، ففي
ظلال الشمس (.أريد أن اكتب من
الكلمات لؤلؤات )، فلسنا هنا امام كتابة تعبيرية و بوح و انما تريد الكاتبة ان تكتب عملا
جميلا ابداعيا .
2- المناهل
الجمالية
لم ترد
الكاتبة ان تكتب حتى تتيقن انها تمتلك الادوات الكاملة و انها انسان مبدع للجمال
، وهذا امر متأصل في الكتاب الخالدين ، و
حينما احست من نفسها ذلك شرعت في البوح ، ففي تمهيد نور القمر (وتتنازل(
شمس) عن عرشها في مجرة الجمال )
3- ادراك العظمة الجمالية
الكاتبة تدرك عظم المسؤولية و خطورتها بالنسبة اليها
، فيتجلى في نفسها الخوف من محاولة الكتابة ففي تمهيد ظلال الشمس (فصول الرواية تدفعني
للبوح بنبض الحرف. مسكت قلمي ،أناملي ترتعش. )
اضافة الى ان هناك اسبابا اخرى
خارجية ففي تمهيد نور القمر ( و(شمس) تأبى الإشراق وتتدلل وراء الغيم حينا
ووراء دثار اسود أحيانا. )و اخرى داخلية ربما تتمحور حول حقيقة ان الانجاز الادبي الذي حققته الكاتبة في مشوارها الفني الشعري يجعلها تردد
في تجربة جديدة وهذا امر حكيم جدا ، لكنها تعلم انها تستطيع ان تحقق اضافة ففي تمهيد نور القمر (ما أحوج اللّيل لشمس فهل
كانت تتلذّذ بالغياب وخلقت مجرتها هناك بعيدا بعيدا. ) . لذلك فهي بحثت عن الاقناع و ادراك الانجاز الظاهري و اطمأنت
لتحققه ففي التمهيد ( أرسلت شمس عبير شعاعها .إهتز القمر من على العرش فشذاها
اخترق فؤاده . ) لقد ادركت الكاتبة انها كتبت شيئا جميلا و حققت انجازا فلم يعد
للخوف ما يبرره .
ثانيا : الرسالية الانسانية
1- الدافع الانساني
تحدد الكاتبة موقفها من الغرض من
الكاتبة و انها تريد بذلك ان تجسد القيم ومظاهر الخير في ظلال الشمس التمهيدي ( فتوقظ الأرض لتفك ضفائر الخير والقيم
الخالدات ...) ، اذن
نحن امام عمل يحدد غرضه بانه عمل اخلاقي و معرفي ، لا ذلك هو الخالد و هو الخير .
2- المناهل
الانسانية
لاجل غرضها الانساني الاخلاقي
المعرفي فان الكاتبة تدرك ان اللبنات و المصادر لا بد ان تكون الحكمة و العبرة ففي ظلال الشمس التمهيدية ( و تتحرك .هكذا سبحت
شمس بين شلالات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن ملامح وجهه أصابعها مجمدة جعل
الحرف معوج والملامح غريبة ) الا ان تراكمات الاخطاء البشرية اضعف مظاهر تلك
المعارف و القيم عند الناس ، ان الكاتبة تبوح بموقفها الاخلاقي المعرفي و ان
الخارج ليس كما يجب .
3- الرؤية و الرسالة
الرؤية واضحة و الكتابة كانت لاجل
ايصال رسالة مصرح بها في تمهيد ظلال الشمس (فصول الرواية تدفعني للبوح بنبض الحرف. مسكت قلمي
،أناملي ترتعش. )
4- التركيز على القارئ
الاهتمام بالقارئ ، و اعتبار الفن
حالة تواصل و خطاب امر تصرح به الكاتبة ففي تمهيد ظلال الشمس ( هل سيفهم القارئ ما
يجيش في أعماقي.. )
5- تجلي الذات الحكيمة
الحكمة عالم تتوق له النفس
البشرية ، و تقر له بعلوه و سموه ، و
عندما تحاول النفس ان ترتدي ثياب الحكمة ، فان ذلك يعني الولوج الى عالم متكامل من
الرقي السلوكي ، تتخذ الكاتبة موقفها بان
تكتب الحكمة و ليس شيئا اخر ، ففي تمهيد نور القمر (كذلك اللّسان الذي لا ينطق
بالحكمة ولا يرسم بالصّوت الجمال فحقه أن يفتك به الدّود . ) و من الواضح الاخلاقية
و الانسانية في هذا الموقف .
6- الموقف الاخلاقي و العطائي
تتخذ الشاعر موقفها تجاه العمل ،
فتريد ان يكون عملها معطاء و بعيدا عن الانانية ففي التمهيد (فتبرئ النفس من سقم
الأنا. ) ان
ما تريده ان يصل الاشعاع الى الخارج ان يبصر النور الذي اودعته في الرواية من دون قصد تحقيق مطالب انانية ، ففي التمهيد (كي اهدي تباشير فجري لمن شئت )
هكذا ادركنا هذا العمل المعبأ
بالدلالات و الساعي نحو اهدافه بقوة ، انه تجسيد و تجل للخير و العطاء على مستوى
الجمال و الانسانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق