بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 أغسطس 2014

وزفا شهيدان صالحة بورخيص

العدد السادس لعام 2014
 وزفا شهيدان
صالحة بورخيص

 ==============
و زفا شهيدان
اتجهت مع خطيبها خالد نحو متجر الأثاث حيث تتوفر كل أنواع الموديلات التي يستحقانها لتأثيث بيتهما فزواجهما لم يعد يفصله إلا بضعة أيام، يسيران وسط أمواج الفرحة، يتجاذبان الحديث بكل طلاقة و بصوت عال مما يلفت انتباه المارة في بعض الأحيان، إنها السعادة عندما تسكن نفوس الأحبة، السعادة في امتلاك نصف الدين و التوق إلى الاستقرار.
لأكثر من سنتين وهما ينتظران هذه الأيام ويرتبان لبناء عشهما قشة قشة ليقتسما السعادة في بيت واحد. سنتان يحلمان بتكوين أسرة سعيدة و يخططان حتى لعدد الأبناء، كل شيء كان متناسقا بينهما.
ماسكا بيدها، عابثا بأطراف أصابعها كانا يسبران في اتجاه المتجر وما إن دخلا حتى وجداه مكتظا بالزائرين، وهما يتجولان بحثا عما يرضي ذوقهما لفت انتباههما خبر بالشاشة المعلقة على الحائط مفاده أن مواجهات عنيفة نشبت بين مجموعات من الشباب الفلسطيني و العدو بسبب حرق طفل فلسطيني اثر خطف ثلاثة يهود، توقفا أمام المشهد والتفت إليها متسائلا: ما هذا، تراها الثورة من جديد؟ لقد تمادى هذا المحتل المجرم في صنيعه.
غادرا المكان بعد أن اختارا الأثاث واتفقا مع صاحب المتجر على جلبه أسبوعا قبل الزواج وسط تخوف من تطور الأحداث و تحولها إلى غزة.
تواصلت موجة الغضب لعدة أيام بالضفة و الخليل و كل المناطق وحمي وطيس المظاهرات المحتجة استعملت خلالها الوسائل البسيطة والمتاحة من طرف الشباب الفلسطيني من حجارة وزجاج حارق يقذفونها على مجموعات العدو كلما احتكوا بهم في نقاط التماس.
ذات صباح نهض خالد فزعا على أزيز طائرة تخترق الأجواء، فتح الباب بسرعة و بينما هو يبعث ببصره نحو السماء إذ بصوت انفجار يهز المنطقة، يا الهي تراها الحرب من جديد، رن هاتفه.. إنها خطيبته تصيح من فرط الهلع: هل علمت بالانفجار انه بالأحياء الشمالية.. يا الهي لقد عادت الحرب.
كان صوتها يرتجف من هول الصدمة، أردفت قائلة: اعتقد أن الشرارة ستحول نحو غزة من جديد، حاول طمأنتها: خير،لا تبالي.. لن يكون إلا الخير.
أراد أن يبعث فيها بعض أمل كان في حقيقة الأمر هو أيضا في أشد الحاجة إليه، أغلق الهاتف و حاول العودة إلى الفراش لولا هذا الصوت المزعج الذي يلحق سمعه من جديد سرعان ما أتبعه انفجار ثان، أسرع إلى الشرفة ليجد كل الأهل مجتمعين يرقبون بحذر محاولين معرفة مكان سقوط الصواريخ، تعالى بكاء إخوته من فرط الخوف، بعث ببصره ليجد الناس قد فرت من بيوتها يستكشفون الأمر.
نزل إلى الشارع الذي بدأ يتململ وقد دب الهلع في القلوب وسط تساؤلات الجميع عن السبب الذي جعل اليهود يقصفون منطقتهم وهي التي لم تبدأ بضربهم ولكنهم في كل مرة كانوا يبحثون عن ذرائع للتنكيل بالفلسطينيين والقضاء على المقاومة.
بدأ وطيس الحرب يلقي بظلاله على غزة مقتربا من العمق باستثناء الأحياء القريبة من مسكنه فقد بقيت نوعا ما في منأى عن الصواريخ و القذائف لذلك اعتبر هذا الأمر فرصة لعدم تأجيل زواجه، ناقش هذا الأمر مع أسرته ولكنها ارتأت أن يؤخره إلى ما بعد الحرب فلا يمكن أن تكون فرحة وسط رعب الموت، ولكنه أصر على عدم تفويت الموعد مفضلا أن يقتصر الأمر على احتفال بسيط و الاكتفاء ببعض المراسم.
ها هما يستأجران عربة نقل كبيرة من صديقه أوصلت لهما الأثاث إلى بيت الزوجية سرعان ما شرعا في ترتيبه وسط الغرف، الآن اكتمل النصاب فالصالون وبيت النوم والمطبخ و كل شيء قد جهز في انتظار الزفاف.
شعرا بالتعب فجلسا على الكنبة ينشدان بعض راحة، وسط هدوء جميل مد يدين يغمرهما الشوق و بدأ يربت على رأسها ثم ضمها إلى صدره و مال عليها مطبقا شفاهه بالقبلات هامسا في أذنيها: أحبك.
بعد سويعات كشفت الجرافة وهي ترفع ركام البيت عن جثتين لشاب و فتاة في احتضان أخير قبل أن يرتقيا مع صفوف الشهداء.


صالحة بورخيص


===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق