العدد
الخامس لسنة 2015
مقالات
الرؤية
المتباينة للتصوير في المدرسة البغدادية
وأثرها
في الفنون الإسلامية.
بقلم
: عبد الرضا صالح محمد
المدرسة
البغدادية للتصوير:
كانت
الفترة مابين القرنين السادس والثامن الهجري 1200 1400الميلادي الحد الفاصل لانقشاع
غبار الريبة والشك في وجود مدرسة للفن الإسلامي في التصوير بحجج التحريم التي صرح بها
القرآن الكريم والحديث الشريف ورغم العثور على بعض الصور والمخطوطات في قصور العباسيين
في بغداد والأمويين في الشام . كانت هذه الفترة الزمنية كفيلة بالإجابة على كثير من
الأسئلة المطروحة إزاء هذا الخصوص ، وتحديدا بعد التنقيب الذي طال الأنقاض المدفونة
تحت القصور في سمراء واكتشاف مجموعة كبيرة من ألآثار بالغة الأهمية من التماثيل والصور
التي تمثل الحيوانات والآدميين الألوان وغير الملونة، ومما زاد في تأكيد ذلك العثور
على الكثير من المخطوطات المصورة ومن أهمها مخطوط ( مقامات الحريري ) .
لقد
عثر على مخطوطات أخرى مصورة بعد هذه الفترة مثل مخطوط ( كليلة ودمنة ) الذي يعتبر من
أقدم المخطوطات القديمة المزينة برسوم الطبيعة والحيوانات حيث يحتوي على (98) صورة
، وكذلك مخطوط ( الأغاني ) ومخطوط الترياق ومخطوط منافع ( الحيوان ) ومخطوطات أخرى
، غير أن مخطوط ( مقامات الحريري ) يعد من أهم هذه المخطوطات لما يحتويه من صور ورسومات
في منتهى الروعة والكمال الفني والتي تبقى الشاهد الأهم على وجود مدرسة التصوير الإسلامي.
من هذا
أصبحت الدلالة واضحة بظهور مدرسة فنية في بغداد حاضرة الدولة الإسلامية أطلق عليها
المستكشفون والعاملون
في شؤون
الفن أسم ( مدرسة بغداد للتصوير ) وقد يطلق عليها أحيانا ( بمدرسة ما بين النهرين
) .
الواسطي
:
نشأ
هذا الفنان في مدينة واسط في المائة السابع للهجرة وهي من المدن الشهيرة في العراق
تناول يحيى الواسطي المقامات بعد وفاة الحريري بمائة عام وعبر عنها بالصورة الملونة
أجمل تعبير قد تفوق المقامات نفسها بلغة الخطوط المنسابة والإضاءة المبهرة والألوان
المتناغمة التي كان يصنعها بنفسه حيث زينها ب (94) صورة في (99) صفحة بقياس ( 37سم
× 28سم ) وكان يرسم للمقامة الواحدة صورة أو صورتين أو ثلاث وقد يترك بعض المقامات
بدون صور حسب ما تقتضيه المقامة ، وهذا المخطوط محفوظ في المكتبة الوطنية في باريس
تحت رقم (5847) عربي وتنسب إلى مالكها لويس شيفر فيطلق عليها ( شيفر حريري) ويتألف
المخطوط من (165) ورقة ًفي كل ورقة (15) سطرا كتبت بخط نسخي جميل منقط ومشكل بمداد
أسود مائل إلى الحمر
يؤرخ
الواسطي كتابة وتصوير المخطوط فيقول في آخر صفحة منه (فرغ من نسخها العبد الفقير إلى
رحمة ربه وغفرانه يحيى بن محمود بن يحيى أبن أبي الحسن الواسطي بخطه وصوره آخر نهار
يوم السبت سادس شهر رمضان سنة أربع وثلاثون وستمائة حامداً الله تعالى 00) ولقد قام
بإخراج هذا المخطوط في بغداد على أكثر الظن .
صور
(يحيى الواسطي ) المقامات وأبدع في تصويرها وعبر عنها بوضوح تام ، فهو في تصويره وضح
الحياة البغدادية في العصر العباسي بكل طبقاتها ومعالمها ، فلقد ميز في
صوره
بين الشاب والشيخ وبين القرية والمدينة والمسجد والبيت ، وأعطى تخطيطا واضحاً للعمارة
الإسلامية من مساجد و مآذن في ذلـــــك الوقت وأولع برسم الخانات وكذلك رسوم الحيوانات
وخاصة الجمال والخيول ولم تقتصر أعماله على التصوير فقط بل إلى الزخرفة والخط والمنمنمات
والتذهيب ، ولم تكن هذه النسخة الوحيدة التي صورها الواسطي فثمة نسخة أخرى في متحف
برلين وثالثة في اسطنبول . كما أن هذا المخطوط نسخ من قبل فنانين آخرين في الموصل وديار
بكر ومناطق أخرى .
ومن
أجمل لوحاته التي صورها هي اللوحة الثامنة من المقامة السابعة ( البرقدية ) الابتهاج
برؤية هلال شوال وهي أكثر اللوحات تكاملا وقوة في التعبير ووضوحاً للأشكال والهيئات
وتناغما بالألوان ، وكذلك اللوحة ( الشتوية) المقامة 43 ولوحة ( الفتاة والجمال العشرة
) .
مميزات
التصوير الإسلامي :
يتميز
التصوير عند المسلمين بنزوعهم إلى فلسفة تهدف إلى عدم تقليد الطبيعة واهتمامهم بتصوير
ما يوازنها من الأشكال أي الإيحاء بوجود الأرض والسماء دون رسمها كما تبدو للعين مباشرة
، من هذا لجأ الفنان المسلم إلى ( التسطيح ) الرسم ببعدين الطول والعرض دون رسم البعد
الثالث ( العمق ) ولهذا نتج من جراء هذه النزعة ( التسطيح ) إلى أعطاء المكان شمولية
التعبير وإعطاء مجمل اللوحة المركزية المطلقة للحدث وبذلك يـــــــوفر للوحاته عدة
زوايا للرؤية دون التركيز على زاوية واحدة أو ما يسمى عند الفنانين ( بعين الطائر
) ومشاهدة حيز المكان بصورة أشمل .
ومن
جراء التسطيح منح عناصره في اللوحة القيمة الاجتماعية لذالك نراه يرسم الكلب صغيراً
وان كان في مقدمة اللوحة في حين يرسم الخليفة بحجم كبير وأن كان في نهاية اللوحة .
كما
أن فلسفة الفنان المسلم في الإيمان بما بعد الوجود ولدت لديه تعبيرية روحية في رسم
الأشياء دون أن يراها أو ما يسمى ب ( الحقيقة الظنية ) في رسم الأشكال فهو يعمد إلى
رسم أنواع من الأسماك عند رسمه للنهر.
لقد
أستخدم الواسطي أشكالا عدة للمنظور فلقد استخدم في
لوحة
واحدة المنظور ألتسطيحي من خلال القيمة اللونية ، كما انه استخدم المنظور الجبهوي في
وجوه الأشخاص ، وأعطى للخيول والجمال المنظور التكراري كما هو الحال في اللوحة السابعة
.
ومن
المميزات الأخرى نزوع الفنان المسلم إلى رسم الأشكال بصورة عامة دون الدخول في التفاصيل
أو الدقة في التشريح أو الاهتمام بالنسب الذي مارسه الفنانون الإغريق .
وكان
يفوق بقدرته التعبيرية في التصوير ما وصفته المقامات من مشاهد حياتية وعادات معاشة
وبذلك يحس المشاهد بقدرته على الموائمة بين الصورة والمجتمع مما يؤكد العــــلاقة الوشيجة
بين الأشخاص والألوان في لوحاته فهو يعطيك صورة ناطقة وخاصة في رسم الأشخاص وحركاتهم
و تعابير وجوههم من الحزن والفرح والألم والغضب أدق تعبير ، فنشاهد في لوحة المرأة
التي تلد علامات شدة الألم في وجهها في وقت الطلق بينما نلاحظ القابلة وهي في وضع الدعاء
والابتهال بانتظار الوليد في الوقت الذي يجلس فيه الزوج على أريكة مسترخيا بلا مبالاة
، كما تفنن برسم الحانات وأظهر فيها جو المرح وصور تفاصيلها من معصرة ومغنٍ وسقاة وقفا
لما ورد في المقامة .
عبدالرضا
صالح محمد
روائي
وفنان تشكياي
العراق
/ ميسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق