العدد
الخامس لسنة 2015
بأقلام
أصدقاء البيت
حنين
صالحة بو
رخيص
فركت
عينين كبلهما النوم بكماشته.. نهضت من مكانها واقتربت من الشرفة المطلة على الشارع
الكبير.. بعض نجوم لم تفل بعد ولا تزال تغازل السماء.. هلال آخر الشهر يلفظ أنفاسه
ليتوارى خلف الضوء..
صوت محرك السيارات بدأت وتيرته تقوى وان كان لم ينقطع طوال الليل.. الطريق يعمر بالمارة شيئا فشيئا .. الكل يسري مثل عصفور يغادر عشه باكرا يسعى إلى جلب قوته.. ترى الإنسان عصفورا وهو لا يعلم..
شعرت بضيق يكاد يقبض روحها.. لا شيء جديد يضفي على حياتها الفرح..
اتجهت نحو المطبخ أرادت أن تحضر قهوتها المرة ككل صباح وهي تهم بإحضارها خطر ببالها أمرا.. لماذا لا تكسر الروتين الذي يخنقها وتروح عن نفسها في هذا اليوم الربيعي الهادئ وتستقبل الشروق بعيدا عن ظلمة الغرف وجفاء الوحدة وبرودة الحيطان..
بثت الفكرة في جسمها جرعات من النشاط وشعرت بالحنين إلى حبات التراب وأحست بها تناديها لتعانق أصل خلقها..
اتجهت نحو سيارتها وحركت مقود السيارة بكثير من الإصرار نحو الأرياف المحيطة بالمدينة.. لاحت لها آخر نجمة في السماء بدت كأنها تحرضها على الخروج لتشهد أول اشراقة لخيوط الشمس بالريف..
كانت تشعر بسرعة السنين التي تمر مثل البرق بحياتها تأخذ من بريق عمرها وهي بين الحلم والوجع تعد الخسائر التي تسقط تباعا تهزم مقاومتها في البقاء رافعة الرأس.. شامخة بشموخ النخيل وناضجة بطعم الفاكهة اللذيذة..
السيارة تسير وذاكرتها تسير في اتجاه الماضي لتعود بها لأيام خلت من طفولتها.. تعود بها إلى مرتع الصبا.. رائحة التربة المبللة بالمطر وعبق الإكليل المنبعث من كامل أرجاء القرية تدغدغ حواسها.. يمرر فكرها مشهد البيدر و النورج يفصل الحب من السنابل والأم تطوف بكأس الشاي المعطر بالزعتر مع خبز الطابون.
كم غيبت المدنية من مشاهد ساحرة، فألف حديقة لا تسوى شيئا أمام بساط موشى بالأخضر والأصفر والأحمر والوردي.. بساط طبيعي يحمل ألوان قوس قزح أنبته البديع دون مجهود أيادي ودون سماد صناعي، وكم قتلت من مشاعر صادقة وكم دفنت من تراث وهددت بفناء تاريخ أمة بعاداتها وتقاليدها، وكم لوثت من هواء فغدت الأرواح مختنقة يلبسها الحزن وتكتسيها الكآبة..
تقود سيارتها وكلما اقتربت من العمق أكثر كلما أحست بإنسانيتها تناديها إلى جذور الأرض..
تأخذ بصرها مناظر أشجار اللوز المزهرة والزيتون المتأصل عبر التاريخ والأزمنة على مشارف الأرياف.. شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.. لوحات فنية عذبة المذاق يجود بها فصل الربيع تبرز السر الرباني الذي أودعه الله في الكون..
بدأ النهار يكشف عن بياض أسنانه في انتظار أن يبتسم ابتسامته العريضة المرحبة باشراقة الشمس.. هناك، بين المروج الحافلة بالخضرة والفراشات الحالمة توقف الزمن وتوقفت ساعة الألم لتفسح المجال إلى لحظات نشوة روح..
هناك، سكنت عواصف الفكر وتشبعت أنفاسها بعبق الورد واستردت روحها حقوقها التي اغتصبتها المدينة..
هناك تعيش البساطة بكل جمالها..
هناك الهدوء فلا سيارات تمر ولا ضجيج ولا صياح الباعة ولا هرج الأطفال ولا عراك الكبار ولا تلوث بيئي..
هناك تقتفي آثار الأجداد في حبهم للأصالة وللطبيعة وللسكون..
هناك تحافظ النجوم على لمعانها ويحدثك القمر عن أجمل مغامراته مع العاشقين..
هناك وقبيل الاشراقة تعانقك نسمة هواء عليلة متأتية من ريح الجنة تتسلق لتغازل جسمك وتدغدغ أحاسيسك..
هناك النبع يترقرق والشحرور يغني والطير ينشد والأحلام لا حدود لها والفرح لا نهاية له، ويكبر الجمال في العيون وتقوى السعادة في القلوب..
هناك رفعت رأسها لتستقبل خيوط الشمس المتدلية من أجمل قرص منير على وجه البسيطة.. تسلقت ببصرها السلم الساحر إليه، أحست بهدوء غريب يلفها وغمرتها نشوة لا توصف..
فوق الهضبة المقابلة غنيمات ترتع.. تأملتها جيدا.. شعرت بالطمأنينة بقربها.. تراها أحسن منها ألف مرة.. فكر لا يحمل الهموم..
أغمضت عينين طالما كبلهما تعب الأيام وامتدت على الحشيش مستمتعة بمزامير النسيمات العليلة التي تداعب خصلات شعرها وفاسحة المجال للخيوط الذهبية تحضنها وتلقي بدفئها على جسدها المنهك..
كشفت أعماقها عن طفلة تسكن بين الأضلع، هاهي تسرح وتمرح معها.. هاهي تسابق الرياح مع الأطفال إلى المروج الخضراء الرحبة.. هاهي تحاول اعتلاء الشجرة الكبيرة لتجلب العصفور الصغير من عشه.. هاهي تهرب من يدي أمها لتعتلي التلة.. هاهي تصارع صديقتها حتى صرعتها..
انفلتت من قلبها ضحكة، ضحكت.. ضحكت كثيرا حتى تعالى صوتها يحمله صدى التلال المترامية وأغمضت إثرها عينيها لثوان لتنهض على ابتسامة الراعي يقف بقربها..
صوت محرك السيارات بدأت وتيرته تقوى وان كان لم ينقطع طوال الليل.. الطريق يعمر بالمارة شيئا فشيئا .. الكل يسري مثل عصفور يغادر عشه باكرا يسعى إلى جلب قوته.. ترى الإنسان عصفورا وهو لا يعلم..
شعرت بضيق يكاد يقبض روحها.. لا شيء جديد يضفي على حياتها الفرح..
اتجهت نحو المطبخ أرادت أن تحضر قهوتها المرة ككل صباح وهي تهم بإحضارها خطر ببالها أمرا.. لماذا لا تكسر الروتين الذي يخنقها وتروح عن نفسها في هذا اليوم الربيعي الهادئ وتستقبل الشروق بعيدا عن ظلمة الغرف وجفاء الوحدة وبرودة الحيطان..
بثت الفكرة في جسمها جرعات من النشاط وشعرت بالحنين إلى حبات التراب وأحست بها تناديها لتعانق أصل خلقها..
اتجهت نحو سيارتها وحركت مقود السيارة بكثير من الإصرار نحو الأرياف المحيطة بالمدينة.. لاحت لها آخر نجمة في السماء بدت كأنها تحرضها على الخروج لتشهد أول اشراقة لخيوط الشمس بالريف..
كانت تشعر بسرعة السنين التي تمر مثل البرق بحياتها تأخذ من بريق عمرها وهي بين الحلم والوجع تعد الخسائر التي تسقط تباعا تهزم مقاومتها في البقاء رافعة الرأس.. شامخة بشموخ النخيل وناضجة بطعم الفاكهة اللذيذة..
السيارة تسير وذاكرتها تسير في اتجاه الماضي لتعود بها لأيام خلت من طفولتها.. تعود بها إلى مرتع الصبا.. رائحة التربة المبللة بالمطر وعبق الإكليل المنبعث من كامل أرجاء القرية تدغدغ حواسها.. يمرر فكرها مشهد البيدر و النورج يفصل الحب من السنابل والأم تطوف بكأس الشاي المعطر بالزعتر مع خبز الطابون.
كم غيبت المدنية من مشاهد ساحرة، فألف حديقة لا تسوى شيئا أمام بساط موشى بالأخضر والأصفر والأحمر والوردي.. بساط طبيعي يحمل ألوان قوس قزح أنبته البديع دون مجهود أيادي ودون سماد صناعي، وكم قتلت من مشاعر صادقة وكم دفنت من تراث وهددت بفناء تاريخ أمة بعاداتها وتقاليدها، وكم لوثت من هواء فغدت الأرواح مختنقة يلبسها الحزن وتكتسيها الكآبة..
تقود سيارتها وكلما اقتربت من العمق أكثر كلما أحست بإنسانيتها تناديها إلى جذور الأرض..
تأخذ بصرها مناظر أشجار اللوز المزهرة والزيتون المتأصل عبر التاريخ والأزمنة على مشارف الأرياف.. شجرة مباركة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.. لوحات فنية عذبة المذاق يجود بها فصل الربيع تبرز السر الرباني الذي أودعه الله في الكون..
بدأ النهار يكشف عن بياض أسنانه في انتظار أن يبتسم ابتسامته العريضة المرحبة باشراقة الشمس.. هناك، بين المروج الحافلة بالخضرة والفراشات الحالمة توقف الزمن وتوقفت ساعة الألم لتفسح المجال إلى لحظات نشوة روح..
هناك، سكنت عواصف الفكر وتشبعت أنفاسها بعبق الورد واستردت روحها حقوقها التي اغتصبتها المدينة..
هناك تعيش البساطة بكل جمالها..
هناك الهدوء فلا سيارات تمر ولا ضجيج ولا صياح الباعة ولا هرج الأطفال ولا عراك الكبار ولا تلوث بيئي..
هناك تقتفي آثار الأجداد في حبهم للأصالة وللطبيعة وللسكون..
هناك تحافظ النجوم على لمعانها ويحدثك القمر عن أجمل مغامراته مع العاشقين..
هناك وقبيل الاشراقة تعانقك نسمة هواء عليلة متأتية من ريح الجنة تتسلق لتغازل جسمك وتدغدغ أحاسيسك..
هناك النبع يترقرق والشحرور يغني والطير ينشد والأحلام لا حدود لها والفرح لا نهاية له، ويكبر الجمال في العيون وتقوى السعادة في القلوب..
هناك رفعت رأسها لتستقبل خيوط الشمس المتدلية من أجمل قرص منير على وجه البسيطة.. تسلقت ببصرها السلم الساحر إليه، أحست بهدوء غريب يلفها وغمرتها نشوة لا توصف..
فوق الهضبة المقابلة غنيمات ترتع.. تأملتها جيدا.. شعرت بالطمأنينة بقربها.. تراها أحسن منها ألف مرة.. فكر لا يحمل الهموم..
أغمضت عينين طالما كبلهما تعب الأيام وامتدت على الحشيش مستمتعة بمزامير النسيمات العليلة التي تداعب خصلات شعرها وفاسحة المجال للخيوط الذهبية تحضنها وتلقي بدفئها على جسدها المنهك..
كشفت أعماقها عن طفلة تسكن بين الأضلع، هاهي تسرح وتمرح معها.. هاهي تسابق الرياح مع الأطفال إلى المروج الخضراء الرحبة.. هاهي تحاول اعتلاء الشجرة الكبيرة لتجلب العصفور الصغير من عشه.. هاهي تهرب من يدي أمها لتعتلي التلة.. هاهي تصارع صديقتها حتى صرعتها..
انفلتت من قلبها ضحكة، ضحكت.. ضحكت كثيرا حتى تعالى صوتها يحمله صدى التلال المترامية وأغمضت إثرها عينيها لثوان لتنهض على ابتسامة الراعي يقف بقربها..
صالحة
بورخيص/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق