العدد السادس لسنة 2015
أدب كربلاء
وجع
المدينة
للشاعر
سلام محمد البناي
بقلم: عدنان عباس سلطان
للمكان
هيمنة واضحة في قصائد البناي وخاصة في إصداره الجديد المعنون ( بالياقوت
تدلت عناقيدها) إذ تكاد أن تكون أشبه بمرثية لما انطوت عليه المدينة من خراب وتبدل
فراح يبحث لها عن صورة تليق بها لما تختزنه تلك المدينة من نور ظل لآلاف السنين
يشع في الأرجاء كمنارة هائلة مكللة بالضوء المبهر لكنه قبل ذلك يفتح نافذة فنرى
معه ما يعرضه من صور شعرية عن ذكرياته الجميلة فيها عن مدينة عاش بين أزقتها ولعب
في حاراتها وتشرب بأنوارها الملونة وعاداتها ومناسباتها أعيادا وأحزانا وعرف
تأريخها نضالا وإحباطا انتصارا وتراجعات.
بالصور
التي يرسمها لنا يعطينا هامش كبير من الانطباع عنها وعن مقدار تعلقه بها ليزيدنا
تعلقا
وكأن، تلك الصور والذكريات تعنينا كما هي تعنيه بحيث نشاركه هذه العلاقة
الحميمة ونعرف مدى قوة الوجد لدى الشاعر اتجاه مدينته فالمرثية التي يبغي
الشاعر الوصول إليها لا تكتمل دون أن يضعنا منفعلين مع وجده الحميم ليبكي على
مدينته بعيون كثيرة ليبكي من خلال عيوننا وتساقط دمعاتنا نندب ماضيها ونحّن إلى
لحظاتها التي تسربت من بين النكبات والفواجع فيقول:
قبل ان
تستيقظ ارغفتها
تلم
المدينة حرير ليلها
وعلى
مجسات الارصفة
حط عطر
المسافات
وفي
قصيدة اخرى يقول:
قناديل
تخضر في العراء
يمضي
اليها كل موجوع اوقده الحنين ..والتفت على مقلتيه سرايا المعاني
يامدينة
ما باغتها الجدب .. ولا جفت منابعها .. فعلى ضفتيها .. كل دمعة تنام
وفي
قصيدة أخرى يقول:
اشجارها
.. تنجب كل يوم.. بوحا جديدا .. والسائرون نحوها .. يرسمون الكواكب
..
قبلة وانتظار ..
وإذا كان
لنا أن نعضد قولنا فإننا ننعطف إلى ما يعنيه عنوان المجموعة بالياقوت تدلت
عناقيدها فبهذا العنوان جملها بالياقوت كأجمل زينة يراها الشاعر لائقة بها لتظهر
بحلة تبهر الناظرين فتنتقل هذه الصورة إلى ذهن القارئ فيكون مشاركا للشاعر في
النظر والوجدان وهو الأمر الذي يريد أن يفعله الشاعر لكي يبكي بعيون كثيرة فبكاءه
وحيدا لا يسرب الحزن الذي يتولاه في لحظة قادمة ولا تكفي مرثياته كم الألم
والنكبات التي توالت على مدينته الأثيرة وهنا يبدأ بالفواجع في مرثية هي أطول من
الجانب الذي أعطانا إياه لأنه اكتفى متأكدا من مشاركتنا الوجدانية معه بحيث صرنا
مشاركيه ليذهب بنا إلى حيث عرض أحزانه بصور مؤثرة ومؤلمة فيقول:
لغة
الجداول .. السنة الازمنة .. تهرب لموت آخر ..ومدينتي تقف منتصف العالم ..
وهي تعج
بالحزن .. بالحلم .. بالماء.
وانتبهت
.. رايت جدب روحي .. وصهيل الانهار المنسية ..والبقايا من ازقة النزيف .ومن نافذة
عميقة .. نظرت الى العدم الآخر ..من الامنيات ..كانت المحطات .. المرمية على
الطريق..تلتهم خطواتي.. وصرت اذا تلفت بحثا عن شجرة اقاسمها الذكريات.. ابتعد
السراب.
والشاعر
إذ يصل إلى هذه الصورة المأساوية اليائسة تستفزه اللحظة ليطلق صرخات فاجعة
استنهضها المصير الذي آلت إليه ،
صرخات
مبتلة بالحنين .. خرجت من مخابئ السحاب يضمني اليها ..افق العطش الممتدة اياديه ..
الى سماوات الهطول بلا انتهاء ..
لامطر
ويباس كفي منكسر .. امام الورد المتعثر بعطشه .
الشتاء
تخلى عن معطفه .
وهنا
يؤكد الشاعر قضية العطش بأكثر من قصيدة فالماء هو السبب الرئيسي في اختفاء النماء
وهذا تضمين اشاري لما للماء من علاقة بالحياة كذلك استعمال الماء وحيازته من قبل
القوى الغاشمة في صد كل صلاح يستهدف الخير ولعل ثورة الحسين عليه السلام كانت من
اقرب تلك القصص التاريخية التي تهز الوجدان الإنساني بما فيها من الظلم والطغيان
والاستبداد وهي من قصص مدينة الشاعر التي تعاد ذكراها كل عام وتتنامى في شرايين
المدينة توهجا على طول الزمان.
والشاعر
بدا لنا غير مصدق ما آلت إليه أمور المدينة بحيث تمنى أن يتلقى ضربة أي ضربة توقظه
إذ ربما كان في غفوة وان ما يراه مجرد حلم . ضربة توقظه إلى عالم اليقين ليرى
مدينته كما كان يراها في طفولته دائما مزدانة بالحب والجمال والنماء.
احن
لضربة .. من باب القلب تنثرني..على ازقة المرح .. حيث انت والشجرة .
ابوابك
القديمة وعيناي..درب واحد للبكاء
لكن
الشاعر يعود بنا الى نافذة ذكرياته التي جعلنا نطل من خلالها مشاركين
مبهورين بجمال المدينة ليرسم لنا صورة حزينة فيقول :
وعندما
تبصرين .. منابع الضوء .. وقد استاصلها الغروب .ونافذتي المظلمة .. ذات الرمق
الاخير ..تغمض جفون صبرها .
ساغدو من
فرط نكستي .. صوتا يصل قامة السماء
لكننا
نشعر بان الشاعر رغم كل ما حدث للمدينة فانه لم يفقد الأمل بل ويصر على إن مدينته
تنهض لا محالة وإنها قد تهدأ ردحا من الزمن إلا إن طبعها أن تنهض لان فيها قوة
اكبر من الظلم وهذا ما يدلل عليه العنوان بالياقوت تتدلى عناقيدها أي بمعنى إنها
هي النهوض والرفعة والثورة التي لا يستطيع الظلم أن يخمد أوارها فثورة القوى
النورية القوى الخيرة لا ينطفئ سراجها مهما تكاثفت ظلمات الجور:
أوتاد
هذي الارض .. مدت كما الرايات..قناديل تخضر في العراء.
فالمدينة
إذن محروسة ومحمية بهذه الأوتاد الخضراء المكللة بالنور والخير والرحمة وهي ناهضة
على طول الزمان بوجه العتو والجبروت تنهض تلك المدينة والياقوت والجمال زينتها
وعطائها
الحب والارتواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق