بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يوليو 2015

العدد الثامن لسنة 2015 .... المقال ... علاقة الكتاب بالأنترنيت بين التكامل والأقصاء.





العدد الثامن لسنة 2015

المقال


علاقة الكتاب بالأنترنيت بين التكامل والأقصاء.







يوجد أكثر من جانب لعلاقة الكتاب بالأنترنت: هل هي علاقة تكامل أم صراع؟ وأول فكرة تصادفنا هي فكرة تراجع القراءة وأزمة الكتاب بسبب ثورة المعلومات، وعلى رأسها الأنترنت، وتهديد الأنترنت للكتاب في وجوده، بل هناك من يذهب إلى حدّ القول إن الأنترنت أنسى الناس في الكتاب الذي هو "خير جليس" لهم، وخاصمهم مع الكلمة المعبرة والجملة المفيدة، لكن هذه الفكرة محدودة الأهمية، فنفس الأمر قيل من قبل عن إسقاط التلفزة والفضائيات للكتاب عن عرشه، لكن لا شيء من هذا وقع، فثمرات المطابع مستمرة، والكتب معروضة في الخزانات ورائجة في المكتبات، بل أخذت التلفزات على عاتقها الإخبار بآخر الإصدارات في عالم الكتب من خلال برامج متخصصة.

صحيح أن إقبال مستعملي الأنترنت، وبالخصوص، من الأجيال الشابة يكون على غرف الدردشة وتبادل الرسائل الإلكترونية بشكل أكبر، لكن هذه الأجيال تتعلم احترام الكتابة والنص المكتوب، لأنها تستعمل الكتابة للتحاور أو المراسلة، ونسبة مهمة منها تنجز أبحاثها، وهي تتصفح المناجم التي لا تنضب من كنوز الأنترنت، وتطّلع على مواقع الأخبار والثقافة بمعناها الواسع. ويساعد الانترنت هؤلاء القراء الشباب على القيام بقراءة انتقائية، فالمطالع يستهدف المعلومة التي يحتاج إليها في حينها، وتتسم قراءته بالفعالية والنوعية، وليس بالكم المقروء.

ويستطيع المطلع التنقل من نص إلى آخر، مثلما يتوقف قارئ الكتاب الورقي، ليبحث عن كلمة لم يفهمها في القاموس، أو ترجمة كلمة من لغة إلى لغة، يقوم متصفح الأنترنت بكل هذه العمليات بالنقر على لوحة مفاتيح حاسوبه، ويرى بالصورة، ويسمع بالصوت، المعلومات التي قد لا يستوعبها، فيجدها أمامه مجسمة مجسدة، سواء للتعرف على عادات وتقاليد حضارة بائدة، أو التجول في متحف مدينة نائية. وهذا ما يخلخل عادات القراءة الكلاسيكية، ويجعل الشخص يطلع بجميع جوارحه على المعارف التي تتحول إلى معارف حيوية ومتجدّدة، ويمنح القراءة متعة زائدة.

ونحن نعرف شغف الأجيال الشابة باستكشاف كل جديد، وانتفاضتها على القديم، فهي لا تثور على الكتاب ومضامينه، بل تبحث عن طرق جديدة لتلقي المعلومات، وترغب في مواكبة التضخم الكبير والتعقد الهائل في المعارف، هذا التعطش إلى المعرفة والرغبة الكبيرة في استيعاب كمّها الهائل، لا تستطيع إلا الشبكة العنكبوتية تلبيته، لأجيال الغد التي تتغيّر عادات قراءتها، وأنماط علاقاتها بالمعارف واستهلاكها الثقافي، لأنها في عصر تطغى عليه الصورة والسرعة والتحولات في جميع مناحي الحياة، ولا يمكنها أن تظل في مكانها، في الوقت الذي يركب فيه سكان المعمور قطار العولمة المعلوماتية. وإن كانت من مزية واحدة فقط يمكن ذكرها للويب، فهي أنه ساهم بشكل كبير في دمقرطة الثقافة، وكفاه فخرا بذلك! فبثمن زهيد يبحر مستعمل الأنترنت في عوالم ثقافية متشعبة، ويغامر في مجاهل افتراضية، وهو لا يبرح مكانه!

والواقع، أن الشبكة العنكبوتية تستوعب الكتاب، ولا تهمّشه، إلا أنها تحوّله من الوسيط الورقي إلى وسيط إلكتروني، وتجعله أكثر جاذبية وتشويقا، وتقدمه للقارئ بصورة مختلفة.

ويساهم الأنترنت نفسه في الترويج للكتاب، ولا يسعنا هنا الحيّز لذكر جميع عناوين المواقع التي تحتفي بالكتاب والكتاب، وتضم هذه المواقع كتبا كاملة، يستطيع مستعمل الأنترنت تحميلها، والاحتفاظ بها في حاسوبه، يعود إليها وقتما شاء.

وتوجد مواقع عربية متخصّصة في كتب التراث، يستطيع مستعمل الأنترنت ولوجها لقراءة أشعار امرئ القيس أو كتابات الجاحظ، أو القاموس العربي الضخم "لسان العرب" لابن منظور، وغيرها من الأسماء التي أغنت بإنتاجاتها الفكرية والأدبية الحضارة العربية الإسلامية.

وبالطبع، لاتزال التجارب المغربية والعربية في ولوج النشر الإلكتروني تخطو خطوات بطيئة، مقارنة مع التجارب الدولية الرائدة والسّباقة في هذا المجال.

ولم يغرق الكتاب والمثقفون العرب المحدثون، ومن ضمنهم العديد من الكتاب المغاربة، في سؤال: هل ننخرط أم نحجم عن ركوب موجة النيت؟ بل طالبوا بحقّهم في مساحات الأنترنت الواسعة من الحرية، وقيمة الحرية هي أثمن قيمة قد يتمتع بها الكاتب العربي، لأن الأنترنت تبقى واحة حرية، بعيدة عن كل أشكال الرقابة والخطوط الحمراء.

وكما أننا لا نستطيع حصر عدد مواقع الكتب العربية المتزايدة، فإننا لن نقدر على جرد عناوين جميع مواقع الكتّاب المغاربة والعرب. ففي كل مرة ينضاف كاتب جديد لقائمة مواقع الكتّاب، والفرز بين الغث والسمين في هذه المواقع متروك لذكاء متصفح الأنترنت، فهو الحكم والفيصل بين الجيد والرديء في تلك المواقع التي تعرض مقتطفات أو أجزاء كاملة من أعمال الكاتب الإبداعية، من نصوص شعرية وقصصية وروائية ودراسات أدبية...ولا يسع متصفح بعض مواقع الكتاب المغاربة إلا أن يندهش للمجهود الكبير المبذول لتقديم الموقع في أحسن حلة وأفضل المضامين، ولا ينتهي المتصفح من دهشته وذهوله، وهو يطرق تلك المواقع التي تجرّب جميع أشكال الكتابة، ولا تتحرج في اختراق حجب الكتابة، وتقليص هامش المساحات المحروسة والمحظورة.

وأكثر ما يتشبث به الكتّاب في مواقعهم هو مبدأ الحرية والاستقلالية، ورفض أي وصاية من أي جهة كانت، ووجد بعض الكتاب العرب متنفسا لهم في إحداث "اتحاد كتاب الأنترنت العرب"، ويضم تحت لوائه، جميع الكتاب الذين يؤمنون بضرورة دخول العرب لعصر المعلومات، ويعتبرون شبكة الأنترنت هي أفضل وسيلة لإيصال صوتهم لملايين الجماهير العربية المتعطشة لأدب وفكر يتماشى مع مستلزمات الثورة الرقمية، التي من بين ثوابتها التمرد على جميع الثوابت، اللهم منها تلك المرتبطة بالحرية وخلق فضاءات جديدة للتعبير والإبداع وعدم الخضوع للضغوط التي تفرضها ضوابط النشر الإعلامي أو الإبداعي، فالكاتب حر في نشر مقالاته وكتبه، بدون حاجة إلى وساطة أو إجازة لجنة القراءة لعمله، لأن الكتاب الرقميين يعتبرونها بمثابة لجنة للرقابة والتضييق على حرية التعبير لإسكات الأصوات التي تحمل الجديد والمختلف، أكثر منها وسيلة لاكتشاف المواهب الشابة والطاقات المبدعة.

أما تجارب النشر الإلكتروني فهي كثيرة، وأضخمها تجربة محرك البحث "غوغل"، الذي أطلق مشروعا لإدخال 15 مليون كتاب ورقي في الأنترنت، أي حوالي 4.5 مليار صفحة خلال ست سنوات، وهذا يعني تجنيد فريق عمل متفرغ لإدخال حوالي مليوني صفحة يوميا.

ومنذ يناير 2005، يدخل موقع "غوغل" في المعدل حوالي 50 ألف صفحة يوميا، وتقدر ميزانية المشروع بحوالي 200 مليون دولار، أي حوالي 10 دولارات للكتاب، وتبين هذه المبادرة على الرغبة في رقمنة التراث الإنساني، للاحتفاظ به، وتسهيل الإطلاع عليه.

وكل ما في الأمر أننا انتقلنا، في غفلة منا، من عصر الكتاب الورقي والكاتب الواقعي إلى عصر الكتاب الإلكتروني والكاتب الرقمي، لكن الكتاب والمكتوب حافظا على مركزيتهما في نقل المعارف والأفكار، فالوسيط تغير وتعدد، أما الكتاب فمستمر، والكاتب ربح مساحات شاسعة من الحرية، فتزايدت فرص الإبداع. لكن الكاتب في الأنترنت بمثابة من يضع رسالة في قنينة، ويلقي بها في البحر، قد تجد من يتلقاها، وقد لا تجد.



التحرير




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق