العدد السابع لسنة 2015
قصيدة
لمْ أكنْ آخرَ الأصوات
للشاعر العراقي خلف دلف الحديثي
منْ آخرِ الصمْتِ جاءَ الصوتُ ترْتيلا
فأوّلَ الشعرُ لوْنَ البوحِ تأويلا
وأيقظتْ كلماتٌ عُبِّأتْ عَجَباً
لسرْحةِ الضّوءِ فاختالَتْ قناديلا
مُذْ جاءَ بالوَحْي حتى الآنَ ما برِحتْ
معالمُ النورِ فينا تصْنعُ الجيلا
مُذْ جاء ما زالَ هدْياً كم يضيءُ لنا
حوالكَ الدرْبِ جابَ العرضَ والطولا
مذْ جاءَ للآن نُسْقى من مناهلِهِ
ومِنْ غِلالِ المُنى نُمْلي المَنادِيلا
فأثمرتْ بلغاتِ الطيب دَعْوَتُهُ
وأينَعتْ شَجَراً بالطّهْرِِ مَجْبولا
(مُحمّدٌ) مُذْ خطَتْ رِجْلاهُ مُعلنةً
سيهدِمُ الحقُّ في البدءِ التماثيلا
أُولى الشّموسِ بَدَتْ مِنْ دارِهِ وَعَلتْ
حتى تُقيمَ لصدْعِ الأرْضِ تَعْديلا
وقد أطاحَتْ بسورِ الصِّينِ داعيةً
إلى أقاصي الدُّنا مِيلاً تلا مِيلا
وامتدَّ نوراً وصاخ الكون أجْمَعُهُ
وما استكانوا لها أو صبْرُهُمْ عِيلا
كنّا الحَيارى خُطى التَّضْليلِ تُمْسِكُنا
يُضْفي علينا بِفَحْواهُ الأباطيلا
جاشَتْ غواربُ خيرٍ صاوَلَتْ دُجُراً
فحطّمتْ دونَها غولاً عَلا غُولا
أصْداؤهُ لم تزلْ في عرْسِ نهضتِها
تسابقُ الغَيْثَ للظمآنِ تسييلا
وتستدرُّ انْهِمَاراً أيَّ معجزةٍ
وصارَ فيها ربيبْ الكُفْرِ مَذْهولا
حقائِقاً أنبتتْ آياتُ تربتِهِ
وفتّحَتْ هَيْبةً ما كانَ مَجهولا
وشيّدتْ في ضميرِ الناسِ فتنتَها
بأحْرفِ اللهِ حتى صرْنَ تنزيلا
قد سّارعَتْ أُمَمٌ تسْعى لمنهَلِهِ
ليحرِزَ الشمْسَ تكبيراً وَتهْليلا
تاهَتْ خُطاها زماناً في مخابئِها
عندَ انبلاجِ الضّحى أسرَعْنَ تبديلا
فنخلةُ الله فينا أثمرَتْ رُطباً
حُلواً جنيّاً يُرى للوهلةِ الأولى
رتَّقْتُ صمْتي وعدْتُ الآن ألبسُهُ
ثوباً أُباهي به الرّوّادَ تبْجيلا
لمْلمْتُ مِنْ منهلِ الماضينَ أسئلتي
وجئْتُ أحْصي لفكْرِ العمْرِِ تحْليلا
أخالني حينَ عدْتُ الأمسَ من سفري
معَ العُصورِ وعنّي عُدتُ مسؤولا
تزاحمَتْ في رُبى التاريخِ أوْردتي
وصارَ صدْري لقلبي يرْكبُ الفيلا
نحْنُ اختصمْنا على دَيْنٍ وراحلةٍ
وكمْ أقمْنا مع التّسويفِ تطبيلا
عكّازتي انكسرَتْ في دَرْبِ فرْقتِنا
وسبّحَتْ لي حَصى رُوحي التّآويلا
فرتّل الشِّعرُ لي آياتِ شهْقَتِهِ
فأثمرَتْ في فمِ الشّعراءِ إنْجيلا
(مُحمّدٌ) قد جَلا الخلاقُ طلعتَهُ
وزادَ فيه كما قد شاءَ تجْميلا
هذا البهاءُ فمَنْ يدنو لهيبَتِهِ
ومَنْ يُزاحِمُهُ بالسّحْرِ تَشْكيلا
وقد تجلّى على الدنيا بما وعدَتْ
شرائعُ الله تطييباً وتنويلا
ألفٌ تعدّتْ وأهلُ الذكْرِ ما برِحَوا
نوارساً تُطلقُ الاذكارَ تبتيلا
كنّا إذا اهترَأتْ ذكْرى نثوِّرُها
ودونَها نفتدي الصِّيدَ البَهاليلا
الطالبينَ الرّدى ما رِيْعَ واحدُهُم
والناشدينَ له في الحرْبِ تثكيلا
كنّا السراةَ إذا اشتدّتْ زَعازعُها
نجلو رَداها ونهوى الموتَ مَذْحولا
لو أنّهم أسْرجوا ضاقَ الفضاءُ بهم
والأرضُ فيهم تباهي العرْشَ تَهْوِيلا
كنا نعفُّ ونعْفو حين مقدرةٍ
واليومَ يسْحَقُ فينا الغرْبُ تنكيلا
فإنْ حَكمْنا عدلْنا دون مظلمةٍ
لو كانَ خصمُكَ بالبغضاءِ مَشْعولا
نحنُ الرِّجالُ وما جرْنا لمَنْ خَفروا
عهْداً ومَنْ نكثُوا كنّا الأبابيلا
وإنْ تداعى المَدى صرْنا له سنداً
حبّاً نقوِّمُ مَنْ قد ضلّ مَعْزُولا
قُدْنا رجالاً بإسمِ اللهِ قد عُصِبوا
نبْغي العَلاءَ وللإسلامِ تنويلا
واليومَ يحْكُُمنا بالسّوطِ محتكمٌ
ويبتغي رُغمَنا للخَيْرِِ تبْديلا
تاللهِ ضِعْنا ومأسورٌ بنا جَلدٌ
وسيْفُنا صارَ للسّفاحِ مَسْلولا
كنّا نُساقي احْتشاداً كلَّ رابيةٍ
وكلُّ سفْحٍ به نرْوي المَحاصيلا
يا قاتلَ الظلمِ ضاعَتْ بيننا قيمٌ
واخْتالَ زهواً بنا من طالَ تضليلا
هُنا هُناكَ جَرَتْ عَسْفاً فظائعُهم
فأنْتَ لو عُدْتَ قد أعْددَتَ المَصَاقِيلا
أشباهُ ناسٍ دنانيرٌ تسيّرهم
وَخيْرُهُمْ صارَ بالتزويرِ مَشْغولا
مُعلّقاتٌ جِرَاحاتي على أفُقي
وَخيْطُ رُوحي قلتْني كفُّهُ الطولى
قفْ في ضفافِ دَمي والْبَسْ عَبَاءَتَهُ
ترَى الأيامى بها قد زِدْنَ ترْمِيلا
فسارَ دَجْلةَ مَيْتاً يقتفي أثراً
ودلْوُ عُمري به قد صارَ مَحْمولا
وبابُ جُبّي هنا ما زارَه بشرٌ
مُذْ عافَ ماءُ فراتي الأرْضَ واغْتيلا
واصّايحتْ برَدى من نزفِ قامتِها
تشْكو ندوباً غدَتْ في الشّامِ إكْليلا
غامَتْ لديْنا الأماني والدّجى حُبكِتْ
أردانُه إذْ جَفا صفصافُهُ النّيلا
شابتْ مدائنُ قلبي مِنْ تشتِّتِها
وأزْمَعتْ عن مَدارِ الرّوحِ ترْحيلا
سيعْلمونَ ويدْري مَنْ لنا غَمَطوا
كلّ الحقوقِ وَجابوا الأرْضَ تقتيلا
نحْنُ افتتحْنا لقُطْبِ الكوْنِ دَوْرَتَهُ
وَمَا رَجَعنا كَما كُنّا تنابيلا
فرْسانُنا خرَجوا عزْماً بأفئِدةٍ
لا لنْ تلينَ وتأتي الكانَ مَأمُولا
عُدْنا وَتَحْدو شِعَابَ الدّرْبَ قافلةٌ
منَ الرِّجالِ لأجْلِ اللهِ تَعْجيلا
عُدْنا تشدُّ زِمامَ الجدِّ عثرَتُنا
وتسْتعِدُّ لجفْنِ الليلِ تكْحيلا
سيرْجِعُ الأمْس ما دارَ الزّمانُ بنا
ولنْ يظلَّ الهُدى بالجُرْمِ مَغلولا
لنا المُحيطاتُ أقصاها وأقربُها
وما يزالُ هوانا القبلةَ الأولى
***
17/7/2013

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق